ما أن تُذكر الحضارة المصرية القديمة إلا ويُلصق بها فرعون موسى الذي تكبر وتجبر، وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات: 24]، فهل المصريون القدماء هم الفراعنة؟ وهل الحضارة المصرية حضارة وثنية؟ وهل تم تزييف التاريخ؟
وبمناسبة افتتاح أكبر متحف في العالم (المتحف المصري الكبير) يطيب لي الحديث عن حضارة بلادي في عدة مقالات نُصَحح فيها بعض المفاهيم الخاطئة، ونصَوِّب بعض الأفكار المغلوطة، والسؤال الأهم لماذا الدفاع عن المصريين القدماء؟ والسبب في هذا الدفاع يتلخص في ثلاث نقاط، وهي كالتالي:
أولاً: أن حب الأجداد والآباء فطرة في النفس البشرية، والإسلام ما جاء ليناقض هذه الفطرة، بل جاء ليؤكدها ويقررها، ويتبرأ الإسلام ممن يتبرأ من آبائه وأجداده، فيقول نبي الإسلام: "من ادعى إلى غير أبيه أو انتهى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، وفي الحديث: "اثنتان في الناس هما لهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت".
ثانياً: أن في الدفاع عن المصريين دفاع عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، فقد قال عن سلسلة نسبه الشريف: "أنا خيار من خيار"، ويلتقي نسب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمصريين القدماء في جده اسماعيل عليه السلام من خلال أمه هاجر المصرية، وقال صلى الله عليه وسلم عن هذه الصلة والرحم بينه وبين المصرين: "إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما".
ومن الخطأ الواضح أن ينسب المصريون إلى فرعون الذي قطع الله نسله أصلاً، كما قالت امرأة فرعون التي قالت عن موسى: {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[القصص: 9]، وشتان شتان بين فرعون موسى الهكسوسي المحتل لأرض سيناء وبين المصريين القدماء، والفرق بينهما كالفرق بين فرعون وامرأته المرأة المصرية الأصيلة التي ضرب القرآن الكريم بها المثل في الشرف والأخلاق والشهامة والدين والإيمان: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[التحريم: 11].
ثالثاً: أننا اليوم كمصريين إذا لم نبحث عن تاريخ آبائنا وأجدادنا فإن هناك من يسرق هذا التاريخ، ويلصق نفسه بهم وظهر ذلك في محافل دولية، والتي منها:
ـ في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل رئيس الوزراء بن غوريون يترك الحديث الأساسي عن اتفاق السلام، ويتحدث عن الأهرامات وأن من بناها هم أجداده اليهود.
ـ الرئيس الأوغندي في لقاء صحفي مع الرئيس السيسي يقول: لنا أن نفتخر بالحضارة المصرية؛ لأن أجداده بزعمه شاركوا في بنائها.
ـ يحكي أ د/ زاهي حواس إنه قد قامت مظاهرة من 3000 زنجي أفريقي في مدينة أمريكية يهتفون: (الحضارة المصرية بناها الأفارقة)، ومنظمة (الأفروسنترك) التي ينتسبون إليها ويُنفق عليها ببزخ تطالب برجوع الأفارقة إلى بلادهم مصر، وطرد المصريين الحاليين وترحيلهم إلى بلادهم الأصلية الجزيرة العربية؛ لأنهم عرب وليسوا مصريين.
ـ يقوم كتاب وإعلاميون وصحفيون في قنوات وصحف عالمية بتزييف التاريخ والترويج إلى أن الذي بنى الحضارة المصرية القديمة هم الكائنات الفضائية رغم أن العمال الذين بنوا الأهرامات قد دفنوا بجوار الأهرامات وملوكها مما يدل على كانوا مُكَرَّمين أحياءً وأمواتاً، وأنهم ما كانوا عبيداً يقومون بالبناء بالسخرة والإكراه.
وأخيراً حينما يَهْتَمُّ الإيرانيون بالحضارة الفارسية، ويَهْتَمُّ الأتراك بأجدادهم العثمانيين، ويَهْتَمُّ المغاربة بأصولهم الأمازيغية فهل خالفوا بذلك الإسلام؟ فلِمَ يقال عن المصريين واهتمامهم بأجدادهم أنهم خرجوا بذلك عن الإسلام؟!!!