رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: احترام التخصص ‏(1)

سُئل مهندس ياباني عن سبب الدمار الكبير الذي خلفه زلزال سوريا وتركيا في البيوت والعمارات سنة 2022م، فقال عند المسلمين كلُّ مَن تخرج من الهندسة يُوَظف ويُعَيَّن مباشرة، ومن دون سابق خبرة، ثم يُحيل هو عمله لمقاول في الظاهر، ثم لمقاول في الباطن، والكل همه المكسب والربح لا إتقان العمل، أما نحن في اليابان فمن كل 100 طالب هندسي نأخذ خمسة أو سبعة طلاب على الأكثر، هم الأجدر بالقبول، ثم يستغرق الطالب عدة سنوات حتى يكتسب مهارات وخبرات حتى يُحال إليه أي عمل، فلما احترموا التخصص والعِلم مكنهم الله تعالى من الحياة والسنن الكونية؛ أما مَن أقحموا أنفسهم في غير تخصصهم فقد صدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"، أي الخراب والدمار.
والعِلم بحر عظيم لا يحيط به إنسان أو أمة من الأمم، ولا يحيط بالعلم إلا العليم تبارك وتعالى؛ لذلك انقسم الناس في العِلم بفطرتهم إلى تخصصات مختلفة وفنون ومجالات متنوعة حسب قدراتهم وكفاءاتهم ومواهبهم، وأكد الشرع هذا الانقسام الفطري والتكامل التخصصي، وحث على إيجاد خبراء في شتى التخصصات والفنون والمجالات حتى في أصعب الأوقات وفي وقت الحرب والقتال لا ينبغي للناس أن يتركوا مجالا فارغا أو تخصصا شاغرا، فقد قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة:122]، وكل متخصص مجاهد في مجاله، فالمزارع مجاهد في زراعته، والطبيب مجاهد في طبه، والمعلم مجاهد في تعليمه وتدريسه، والمهندس والتقني مجاهد في اختراعاته، والحرفي مجاهد في حرفته. 
ولقد عيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أًصحابه في مناصب متفرقة، حسب الخبرات المختلفة والتخصصات المتنوعة؛ ليكونوا مرجعا للناس فيها، فقال: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيُّ بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، وشاعر الدولة النبوية كان حسان بن ثابت وخطيبها ثابت بن قيس بن شماس، ومؤذنها بلال بن أبي رباح، وسفرائها للملوك والأمراء دِحية الكلبي وعبد الله بن حذافة السهمي، وحـاطب بن أبي بلتعـة وغيرهم، وقادة جيوشها خالد بن الوليد وأسامة بن زيد وغيرهم.
والدولة المحمدية تحترم وتقدر المتخصصين وتفتح أبوابها وترحب بأهل الخبرات حتى من غير المسلمين، كما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط هاديا ومرشداً له في هجرته للمدينة، فقد كان خبيراً بجغرافيا الطرق، ودهاليز الجبال المجهولة، ولم يكن مسلماً.
ولم تكن الدولة النبوية يوماً تحابي فردا أو تجامل أحدا أو تقوم على القرابة والمحسوبية بل على الخبرات والكفاءات ومنع ضعيفي الخبرة من المناصب، فأبو ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يَوْمَ القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها"، بل يمتنع النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه عن الحديث في غير تخصصه من الأمور الدنيوية وهو حديث المقال القادم إن شاء الله.