رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: احترام التخصص (2)

قصة حدثت معي أنا شخصيا وأنا غلام صغير حينما استفتيت بعض المشايخ المشاهير غير المتخصصين من علماء الأزهر، فأفتاني، وعملت بفتواه, وكانت نتائجها صادمة في حياتي، وبعدما دخلنا جامعة الأزهر ودرسنا وتعلمنا، ودرستُ بنفسي هذه المسألة، تبين لي أن فتوى الشيخ غير صحيحة، ولكن كما يقولون: (وقعت الفاس في الراس)، لتظل آثار هذه الفتوى السيئة إلى يوم مماتي، حينئذ أدركت لماذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم ودعا على من تكلم بغير علم أو أقحم نفسه في غير تخصصه، حينما بلغه عن أناسٍ أنهم ‌أَفْتَوْا رجلاً بفتوى فقتلته الفتوى، فدعا صلى الله عليه وسلم عليهم وقال: "قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء الْعِيِّ السؤال".
ثم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم حتى من قَبول قول نفسه صلى الله عليه وسلم في غير التخصص النبوي الشريف، فلما أشار صلى الله عليه وسلم على قوم بترك تأبير النخل، وفسد محصول السَّنَة أعلن صلى الله عليه وسلم أن الأمور التجريبية والخبرة العملية يرجع فيها إلى أهلها وخبرائها، فقال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، فما أَخَّر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في مجال الزراعة فحسب بل في كل مجال دنيوي؛ ليقدم أهلُه ومتخصصوه، أما المجال الديني والأخروي فإذا تكلم فيه صلى الله عليه وسلم  فلن يكذب على الله.
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد النهي عن ذلك بل سنَّ قانوناً رادعاً لمن تكلم في غير تخصصه، فقال صلى الله عليه وسلم: "من تطبب ولا يُعلَم منه طب فهو ضامن" أي تحمل كلَّ تبعاتِ من أَضره أو آذاه.
وهذه قصة أخرى: امرأة تستشير ولي أمرها في العمل كمحفظة في مكتب تحفيظ للقرآن الكريم، فغضب لذلك ورفض عملها هذا، فتسأله لماذا ونحن نحتاج للمال، فسألها هل أنت تحفظين القرآن؟ هل أنت تُجَودين القرآن؟ هل أنت من أهل القرآن؟ قالت لا, قال فلماذا نُعطي الدُّون للقرآن والضعيف لكتاب الله؟ والمال الذي يأتي من القرآن بهذه الطريقة ليس بالحلال،  فهذه نماذج للعبث بالدين والتي يعيشها الناس يومياً، فالأكثر يحشر نفسه في الدِّين ويُفتي بغير علم ويتكلم في غير مجاله، ولقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفوضى الدينية في آخر الزمان إذا قُبض العلم والعلماء بقوله: "اتخذ الناس رؤوسا جهالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فضلوا وأضلوا".
وقد يُعترض على هذه الوضع السيء بحديث "بلغوا عني ولو آية"؟ والجواب نعم بلغ واعمل بما فهمت وعقلت وأيقنت من الدِّين، وربِّي أولادك على ما فهمت من الدِّين، لكن المحذور أن تُصَدِّر نفسك لتعليم الدِّين وتتجاهل المتخصصين من أهل العلم في الأزهر أو تشكك في علمهم، وهذا ليس في مجال الدين فحسب بل في كل التخصصات الدينية والدنيوية.
وأخيراً إذا اهتم الناس بالجانب الأخلاقي مع اهتمام كل إنسان بتخصصه كنا حقاً خير أمة أخرجت للناس، وأصبح كل متخصص مرجعا وحجةً في ذاته، وإذا أهمل الإنسان تخصصه ودخل عُشاً غير عُشه فقوله مردود ورأيه مرفوض, وهذا مِن ضعف الإيمان؛ لأن كثرة الفتوى مِن قلة التقوى, ومن حسن اسلام المرء تركه مال لا يعنيه.