استدعى أمير من الأمراء معلمه الذي علمه في الصغر، ليسأله عن سبب ضربه له ضربا مبرحا في يوم من الأيام من دون سبب، فلماذا ضربتني أيها الاستاذ؟ فقال الأستاذ علمت أنك ستكون الأمير يوماً فأحببت أن أذيقك طعم الظلم حتى لا تظلم أحداً إذا أصبحت أميراً، فبكى الأمير وقبل رأس معلمه، ووصلت الرسالة وفهم الدرس، ويظهر جلياً من هذه القصة أن السلوكيات السيئة والتصرفات المُهينة مع الأطفال تُغرس في أذهانهم، وعلى العكس السلوكيات الجميلة والتصرفات الحسنة معهم تُحفر في عقولهم ولا ينسونها ويتذكرونها من الحين إلى الحين، فالأحرى والأجدر أن نحفر في أذهانه البسمة والمحبة حتى يتذكروننا دائما بالخير.
وإذا تحدثنا عن الأطفال فالأطفال يعني زينة الحياة الدنيا، الأطفال يعني البراءة والصدق والإخلاص وسهولة المعاملة، الأطفال يعني الضحك والمزاح واللعب والمرح، الأطفال هم منحة السعادة الكبيرة المجانية، وبأقل مجهود تكسب قلوبهم وقلوب آبائهم وأمهاتهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقدرهم ويلاطفهم ويمازحهم ويتحملهم كثيرا وهو مستمع بهم ومنبسط معهم، كما قال عبد الرحمن بن أبي ليلى كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بطنه الحسن أو الحسين قال: فبال حتى رأيت بوله على بطنه صلى الله عليه وسلم أساريع، فوثبنا إليه، فقال: " دعوا ابني، أو لا تفزعوا ابني"، ثم دعا بماء، فصبه عليه".
وموقف ثانٍ والنبي صلى الله عليه و سلم على المنبر يخطب الناس إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن: 15].
وموقف ثالثٍ خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء ليلة، وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم ووضعه، ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، فقال: "كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته، وكانت الأمة من إيماء المدينه تذهب بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث شاءت حتى يقضي لها حاجتها؛ ولهذا عظمت الشرائع الإحسان إلى الأطفال خاصةً الأيتام، ومن أراد تليين قلبه وانشراح صدره فليمسح رأس اليتيم.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى جاهداً في إنقاذ البشرية من جاهليتها وقسوتها عندما انتحرت الفطرة وانتكست وقتلت الأولاد ووأدت البنات، ومن ذلك أن أعرابياً رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُقبّل حفيده الحسن، فتعجب من ذلك وقال: "أتقبلون صبيانكم؟ إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلت أحدا منهم قط، فقال صلى الله عليه وسلم: "أو أَمْلِك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟". فتقبيل الأطفال ومحبتهم والفرح بهم لا يحتاج إلى كتاب أو رسول؛ لأنها فطرة في نفس الإنسان حتى في الطير والحيوان، بل معاملة الأطفال امتحان واختبار لتمييز القلب القاسي من القلب الرحيم؛ لأن من لا يرحم الصغار لا يرحم غيرهم، ومن لا يَرحم لا يُرحم.