خالد شاب كان في الأربعين من عمره، يحب الضحك والفرفشة, كان يجيب على كلماتي بالألش، في يوم من الأيام لم يظهر خالد في الشارع، ولم تعرف عنه أسرته شيء، فقد مات أبوه وأمه، وكان أخوته لا يتواصلون معه لنهمه الشديد في الأكل، ولكن بعد أكثر من يوم، قررت أسرة خالد كسر باب شقته، حيث وجدوه قد فارق الحياة بمفرده، حيث أنه لا ولد له ولا صاحبة.
قصة خالد هي قصة العشرات من المصريين الذين أصبحنا لا نسمع عنهم اليوم إلا على بوستات الفيسبوك ،حيث أصبح الكثيرون يلاقون الموت فجأة و هم بمفردهم، ولا مفر من الموت فهو الحقيقة الصادقة في هذه الحياة.
لكن قصة خالد استدعت تفكيري للبحث عن العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، وهل من باحث مصري او جامعة يوظفون التكنولوجيا في إنقاذ الناس، هل نحن عندنا في مصر دراسات علمية متطورة تمكنا من وضع "إتشبات" أو رقائق صغيرة في جسم خالد الذي كان يعاني من بعض الأمراض، لتجعله في إتصال مع أطباء متخصصين يستطيعون إنقاذه وإنقاذ الحالات المشابهة، لماذا لا يكون عندنا في مصر هذه التطبيقات المتطورة التي تمكن أهالي وأقارب أصحاب الإعاقات الشديدة،و أصحاب الأمراض المزمنة، ومن هم في حالة خطرة لأن يرسلوا لأصدقائهم وذويهم رسالات استغاثة عاجلة –لن تمنع الموت- ولكن على الأقل قد تسهم في التخفيف عنهم أو في منع حالتهم من التدهور.
في الواقع أن علاقة الإنسان بالأطراف الإلكترونية علاقة قديمة، أصلها أحد المفكرون بمصطلح سيبورج والذي اتخذته عنوان لهذا المقال، حيث تجسدت تلك العلاقة تاريخيا بالأشخاص المعاقين الذين يرتدون سماعات الأذن، او الذين يستخدمون أطراف صناعية، بل يمكن أن نضيف إليهم الأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة او العصى البيضاء.حيث نظر العلماء لهذه العلاقة بين الإنسان والأداة التي يستخدمها، والتي تعتبر بالنسبة للأشخاص المعاقين طوق نجاة ووسيلة للبقاء والعيش باستقلالية.
وتحدث العلماء ليس فقط عن علاقة الإنسان بتلك المكونات الإلكترونية، بل تحدثوا عن نظرة الناس للأشخاص الذين يستخدمونها. فحتى الآن هناك عدد كبير من الأشخاص المعاقين يرفضون استخدام الأجهزة التعويضية او الأدوات المساعدة نتيجة للتعبيرات السخيفة التي تصدر من الأشخاص غير المعاقين الذين ليس لديهم وعي بتلك الأدوات وأهميتها للشخص المعاق.
فماذا لو طلبنا من أهل العلم أن يبتكر شرائح إلكترونية يتم تثبيتها في أماكن ظاهرة من الجسد للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.
قد يواجههم الناس أيضا بنفس السيل من عبارات التهكم ومصمصة الشفايف التي قد تجعل الشخص الذي يستخدم هذه الأدوات في حالة نفسية سيئة.
وقد يطرح شخص آخر فكرة الاستعانة بالحيوانات المدربة، وهو نوع من الحيوانات يكون مؤهل لرعاية الأشخاص ذوي الحالات المرضية الصعبة، وكذلك كبار السن، وأنا رأيت مع صديق لي في أمريكا قطة يقوم بتدريبها للعمل في رعاية كبار السن، وأخبرني بأنها قد تكون بمثابة الرفيق لكبير السن وتقدم له الأدوية في مواعيد محددة.
هذا أيضا ذكرني باعتماد الأشخاص المعاقين بصريا في أمريكا والدول الغربية على الكلاب التي ترشدهم عند الحركة وتقودهم حيث يريدون، حيث يصبح الكلب خير رفيق، وهناك مدارس كبرى تعلم الشخص الكفيف كيفية التعامل مع تلك الكلاب. وأعتقد أن فكرة الاعتماد على الكلاب لأرشاد الأشخاص المعاقين بصريا في مصر يقابلها الكثير من التحديات وبخاصة أن بعض الأحاديث النبوية تكره التعامل مع الكلاب واقتنائها في البيت بسبب أنها حيوانات نجسة، وحتى لو قرر الفقهاء السماح للكفيف باستخدامها على سبيل الاضطرار، فالضروروات تبيح المحظورات، فإن ثقافتنا المصرية لن تحبذ هذا، وطبيعة مصر كدولة مزدحمة بالسكان ستجعل من الأمر صعب، بسبب الخوف من الكلاب التي ستكون بيد الأشخاص ذوي الإعاقة، وبخاصة في الأماكن العامة، فحتى في الدول الغربية، هناك مقاومة ورفض لتلك الحيوانات في بعض الأماكن.
ومن ثم يصبح استخدام تلك الحيوانات كوسيلة لإنقاذ صديقي خالد وغيره من الحالات أمر يستدعي دراسة وتفكير وبحث عميق.
هذا المقال دعوة لأن نعيد قراءة نظرية سيبورج او ما اطلق عليها البشركية أي علاقة الإنسان بالأدوات التكنولوجية لنبحث عن تلك العلاقة المعقدة لننتقل من مجرد استخدام الإنسان للتكنولوجيا، او تأثير التكنولوجيا على الإنسان إلى مرحلة أكثر تعقيدا وهي التكنولوجيا كمكون أو جزء من الإنسان، لنبحث عن مدى قبول الإنسان لهذه الفكرة، وهل سيتقبل المجتمع المصري أن يرى أجزاء تكنولوجية ولوحات رقمية في الإنسان. والأهم من ذلك هذا المقال دعوة لكليات الطب المصرية لأن تشأ تخصصات العلمية مختصة بدراسة وتدريس هذا المجال،ولذا يجب أن ينشأ تعاون بين كليات الطب وكليات علوم الحاسب الآلي وكليات الهندسة، فضلا عن استعانة بكليات الطب البيطري إذا كان هناك تخطيط لاستخدام الحيوانات المدربة في هذا الصدد. نحتاج أيضاً أن يتم تكريس مشروعات التخرج الخاصة بالطلاب لتصميم تطبيقات وأنظمة يمكن استخدامها فعلياً في حل مشكلات المجتمع، فأرى أحيانً أنه لا توجد خطة استراتيجية من قبل الأقسام لمشروعات التخرج، حيث أنها مبنية على إجتهادات شخصية، او مصالح شخصية. حل مشكلة خالد وغيره من أصحاب الظروف والأمراض المزمنة يحتاج دراسة معمقة للسيبورج او البشركية حتى يتحقق للإنسان حياة كريمة.