رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: نعمة الألم

تفاخرت الصحة والمرض يوماً: فقالت الصحة: بي ينشط الناس للعمل، وقال المرض: وبي يقصر الناس طول الأمل.
 قالت الصحة: بي يجتهد العابدون في العبادة، وقال المرض: وبي يخلصون في النية.
قالت الصحة: من أجلي تشاد معاهد الطب وكلياته، وقال المرض: وبي تتقدم بحوث الطب.
قالت الصحة: كل الناس يحبونني. قال المرض: لولاي لما أحبوك هذا الحب.
فالصحة تدعي أنها الأفضل، والمرض يدعي أنه الأفضل، والمؤمن يتعبد لله تعالى ويثاب في كلتا الحالتين: إما بالشكر في حال الصحة، أو الصبر في حال المرض، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
فالدنيا دار بلاء ومُصاب وأمراض وأوجاع وآلام، كما قال رب العالمين: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 155]، ومِن الحكمة الربانية في هذه الابتلاءات والآلام ما يلي:
ـ أن الله تعالى يحب أن يسمع صوت عباده بالدعاء واللجوء إليه إذا ما أصابهم مصاب أو مكروه.
ـ أنها تذكير للناس حتى يتوبوا ويرجعوا إلى الله تعالى.
ـ أن الله تعالى يستخرج من عباده بالبلاء عبادات يحبها الله عز وجل، كعبادة الصبر والمصابرة والاحتساب، والتي قال فيها رب العالمين: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}[ الزمر :10 ].
ـ أن الله تعالى جعل في الألم والصبر عليه طهارة لعباده من ذنوبهم وتكفيراً لسيئاتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة"، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على أعرابي يعوده، فقال له: "لا بأس ؛ طهور إن شاء الله"، والطّهور هو: الطاهر في نفسه المطهر لغيره، فالمرض والألم ليس شراً محضاً كما يظن البعض، بل هو طاهر في نفسه مطهر لغيره من الذنوب والسيئات، وفي الحديث: "ما من عبد يصرع صرعة من مرض إلا بعثه الله منها طاهراً"، وفي الحديث أيضاً: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا"، فما من إنسان يعمل عملاً صالحاً وهو صحيح مقيم فيمنعه منه المرض أو السفر إلا كُتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً.
ولقد ضرب الله تعالى لنا مثلاً في الصبر على البلاء والأمراض في نبي الله داوود عليه السلام، الذي من شدة بلائه ومرضه جفاه القريب والبعيد، فلا يسأل عنه أحد ولا يعوده أحد وهو صابر محتسب، فأثنى القرآن عليه ومدح صبره، فقال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص: 41، 44].
ولو كان المرض شرًا محضًا، ما ابتلي به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث دخل ابن مسعود رضي الله عنه، على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقال: يا رسول الله، إنك توعك وَعْكاً شديداً، فقال: "أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا تسخط أيها المبتلى ولا تحزن، وتحلى بالصبر والرضى، وقل الحمد لله على كل حال واستعذ بالله من حال أهل النار.