وكيل الأزهر: الفتوى الرشيدة صمام أمان للاستقرار المجتمعي في ظل التحديات المعاصرة
وكيل الأزهر: الفتوى الواعية شريك أساسي في التنمية وبناء منظومة القيم
وكيل الأزهر: الفتوى جسر بين النص والواقع وأداة لحماية الإنسان والكرامة الإنسانية
قال فضيلة أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، خلال مشاركته في الندوة الدولية الثانية التي نظمتها دار الإفتاء المصرية بعنوان: «الفتوى وقضايا الواقع الإنساني: نحو اجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة»، إن اختيار هذا العنوان يعكس وعيًا عميقًا بطبيعة المرحلة الراهنة، ودقة في تشخيص احتياجات المجتمع، وإدراكًا لمسؤولية الفتوى في زمن تتسارع فيه التحولات وتتجدد فيه الإشكالات الإنسانية والفكرية.
وأوضح وكيل الأزهر أن الفتوى لم تعد مجرد بيانٍ لحكمٍ شرعيٍّ، بل أصبحت فاعلًا رئيسًا في توجيه الوعي المجتمعي، وتحقيق الأمن والاستقرار، والمساهمة في بناء منظومة القيم، بما يتسق مع مرتكزات رؤية الدولة المصرية 2030، التي تهدف إلى ترسيخ قيم المواطنة، وتعزيز الاستقرار المجتمعي، ودعم مسارات التنمية المستدامة، مؤكدًا أن الفتوى الرشيدة تُعد شريكًا أصيلًا في توجيه السلوك العام، وتعزيز ثقافة العمل والإنتاج، وتحقيق التنمية الشاملة.
وأشار فضيلته إلى أن ربط الفتوى بقضايا الواقع الإنساني يُجسِّد توجه الدولة نحو تمكين الخطاب الديني المستنير، وتجديد الفكر، وربط الدين بقضايا الناس ومعاشهم، باعتباره دافعًا للتقدم وضامنًا لأبعاده القيمية والأخلاقية، لا عائقًا أمامه، لافتًا إلى أن هذه الندوة تمثل خطوة عملية في بناء وعيٍ مجتمعيٍّ قادر على التفاعل مع التحديات المعاصرة بعقلٍ مستنير، وفقهٍ راسخ، واجتهادٍ منضبط.
وبيَّن وكيل الأزهر أن الفتوى تمثل حلقة الوصل بين النص الشرعي والواقع الإنساني المتغير، وأداة مركزية في ترسيخ السلم المجتمعي، من خلال قدرتها على توجيه السلوك، وضبط التصرفات، وبناء الوعي على أسس الرحمة والعدل والمسؤولية، بما يحقق مقاصد الشريعة ويراعي أحوال الناس.
وأكد فضيلته أن قضايا الواقع الإنساني تعقدت بفعل التحولات الاجتماعية، والتطورات التقنية، والتغيرات الاقتصادية والفكرية، وهو ما يفرض الانتقال بالفتوى من مجرد نقل الحكم إلى ممارسة اجتهاد رشيد يقوم على فقه النص، وفقه الواقع، وفقه المآلات، بما يوازن بين حفظ الأصول ومراعاة المتغيرات وتحقيق مصالح العباد.
وأشار الدكتور الضويني إلى الدور المحوري الذي يضطلع به الأزهر الشريف في ضبط مسار الفتوى، وربطها بحاجات الواقع وقضاياه، من خلال اجتهاد جماعي مؤسسي يوازن بين النص والمصلحة، ويواجه فوضى الفتاوى، ويصحح المفاهيم المغلوطة، ويحمي المجتمعات من الاستقطاب والتطرف، ليظل صوت الفتوى صوت وسطية وعدل ورحمة.
وشدد وكيل الأزهر على أن الفتوى تمثل خط دفاع رئيسًا عن الهوية في عصر العولمة الرقمية، وحصنًا واقيًا من موجات الغزو الثقافي، من خلال ترسيخ الثوابت، وتعميق الانتماء، وبناء خطاب ديني واعٍ قادر على مخاطبة الجيل الرقمي بلغة العصر دون تفريط أو ذوبان.
كما أكد فضيلته الدور الشرعي والأخلاقي للفتوى في القضايا الإنسانية الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية حق وعدل وكرامة إنسانية، مؤكدًا أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان واحتلال وتجويع وتهجير جريمة محرمة شرعًا ومخالفة للقيم الإنسانية، ولا يجوز تبريرها أو السكوت عنها.
ولفت وكيل الأزهر إلى أن للفتوى دورًا محوريًا في ضبط قضايا النزاعات المسلحة، من خلال حماية الإنسان من الانزلاق إلى الفوضى والعنف، وترسيخ الأطر الشرعية التي تقوم على حفظ النفس، وصيانة الكرامة الإنسانية، وتحريم العدوان، وحماية المدنيين ودور العبادة والمنشآت المدنية.
واختتم الدكتور الضويني كلمته بالتأكيد على أن الاجتهاد الرشيد يقتضي العمل المؤسسي، وتكامل التخصصات، وعدم الانفراد بالرأي في القضايا الكبرى، مشددًا على أهمية دور المؤسسات العلمية الرصينة، وفي مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، في تأهيل المفتين علميًا وأخلاقيًا، لضمان بقاء الفتوى أداة إصلاح وبناء، تُسهم في معالجة قضايا الواقع الإنساني، باجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة.