عن جمال الرفق وروعة اللين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ"، فالرفق زينة كل شيء واللين ونضرة كل حي، هذا وقد أمرنا الله تعالى باللين والرفق مع كل الناس حتى مع فرعون، فقال تعالى لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: 43 - 45]، وقالت عائشة رضي الله عنها: دخل رهط من اليه@ود على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: عليكم السااام واللعنة، فقال النبي عليه السلام: "مَهلا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله"، فلا يكفي مع الأشرار مجرد الأدب وحسن الخلق ليحترموك، حتى تتحمل قبيح أخلاقهم وسوء أفعالهم، بل وتقابل شرهم بلين ورفق ـ لا ليحبوك ـ ولكن لتتقي شرهم.
وعن لين المصطفى صلى الله عليه وسلم ورفقه يقول أنس بن مالك: مَا مَسِسْتُ دِيبَاجاً وَلاَ حَرِيراً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ خدمتُه عَشْرَ سنين، فما قَالَ لي قَطُّ: أُفٍّ، وَلاَ قَالَ لِشَيءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَه؟ وَلاَ لشَيءٍ لَمْ أفعله: ألاَ فَعَلْتَ كَذا؟.
لم أر مثل الرِّفق في لينه … أخرج العذراء من خِدرها
من يستعن بالرِّفق في أمره … قد يخرج الحيَّة من جحرها
وسئل معاوية بن أبي سفيان عن طريقته السياسية مع الناس، فقال: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً، إذا جذبوها أرخيتها، وإذا أرخوها جذبتها.
ومن فضل الله تعالى على أهل الرفق أن حرم عليهم النار وقسوتها وغلظتها لما عصموا أنفسهم من العنف والغلظة، قال صلى الله عليه وسلم: "تَحْرُمُ النَّار عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ، هَيّنٍ، لَيِّنٍ، سَهْلٍ"، وجعل الله تعالى الرفق باباً عظيماً من أبواب العطاء والرزق، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ"، وقال أيضاً: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نيام"، ويعظم هذا العطاء الرباني لأهل الرفق خاصة إذا كان الرفق مع الضعفاء والمساكين، كما قال صلى الله عليه وسلم لمن شكا إليه قسوة قلبه: "إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم".
ويعظم قدر الرفق إذا كان مع الأهل والأقربين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق"، وعن الرفق بالنساء قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رفقاً بالقوارير"، فشبه المرأة في ضعفها الحسي والمعنوي بالقارورة أي الزجاجة الرقيقة، التي يُستمتع بشكلها وجمالها مالم تُكسر فإن كُسرت جَرَحَت وتغيرت وتشوهت، فالله الله في الرفق وأهله، أراحوا الناس من الفظاظة والغلظة، ومتعوهم باللين واليسر والسهولة، فارتاحت نفوسهم من العصبية والضغط والسكري، ومتعوا أنفسهم بمحبة الناس ومودتهم.