رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

حسام فوزي جبر يكتب: كيف سقط عنتر ونجا منير وصقر وتصدر عامر

انتهت معركة انتخابات مجلس النواب في الدائرة السابعة بمحافظة الغربية، زفتى والسنطة، ولم تكن مجرد أرقام تعلن أو أسماء تعبر إلى البرلمان، بل كانت مشهدًا سياسيًا كاملًا كشف بوضوح من فهم قواعد اللعبة ومن أخطأ قراءة الواقع، ومن ظن أن الشعارات وحدها تكفي، ومن أدرك أن السياسة لا تُدار بالعاطفة ولا بالعناد، وإنما بالعقل والتحالف وحسن إدارة التفاصيل.

النتيجة النهائية أفرزت فوز الثلاثي محمد السيد عامر، ومحمد منير ربيع، وصقر عبد الفتاح، بينما خرج من السباق عنتر السيد جاد، ومحمد ربيع غزالة، وهيثم توفيق زغلول، في واحدة من أكثر الدوائر سخونة وتعقيدًا في المحافظة، وأكثرها دلالة على التحولات التي طرأت على المزاج الانتخابي للناخب في الدائرة.

من يراقب هذه الدائرة عن قرب يدرك أن الفوز لم يكن وليد الصدفة، كما أن السقوط لم يكن صدفة وبلا مقدمات، بل جاء كل شيء نتيجة حسابات دقيقة، وخيارات سياسية، وأخطاء قاتلة ارتكبها البعض، واستثمرها الآخرون بذكاء شديد.

التحالف كان كلمة السر الحقيقية في هذه المعركة، التحالف الذي تشكل بهدوء، وتوسع دون ضجيج، ونجح في جمع أطراف بدت متناقضة في الظاهر، لكنها التقت على هدف واحد هو الفوز، صاحب الخبرات محمد السيد عامر تصدر المشهد لأنه أدرك منذ اللحظة الأولى أن السياسة لا تُدار بالاندفاع ولا بالخطابات، وإنما بإدارة شبكة علاقات، وبناء جسور ثقة، وتقدير موازين القوى على الأرض، وأن المعركة لا تُكسب بالصوت العالي، بل بالعمل الصامت، وبالاقتراب الحقيقي من الناس، وبالحفاظ على صورة متوازنة لا تستفز أحدًا ولا تستعدي تيارً

محمد منير ربيع، نجا لأنه فهم أن طوق نجاته هو قواعد الحزب ودعم قياداته وملاصقة محمد السيد عامر، فحافظ على حضوره الهادئ، واستفاد من التحالف واستطاع أن يذوب فيه ويمنح نفسه ربما فرصة العمر أن يكون نائبًا في أحد أصعب المعارك الانتخابية في هذه الدائرة ذات التاريخ الكبير.

أما صقر عبد الفتاح، فقد خاض واحدة من أذكى المعارك السياسية في الدائرة، الرجل عاد إلى جذوره، واستثمر تاريخه، وتحالف مع عناصر من حزبه القديم، في خطوة سياسية محسوبة، ضمن بها أصواتًا لم يكن ليحصل عليها لو خاض المعركة منفردًا أو راهن فقط على اسمه، مع كامل احترامي لاسمه وشخصه، هذه الخطوة وحدها كانت كفيلة بنقل صقر من خانة المنافس إلى خانة الفائز، لأنها أعادت ترتيب أوراقه داخل الدائرة.

في المقابل، كان سقوط عنتر السيد جاد صادمًا للبعض، خاصة أهل قريته الذين قدموا اداءًا رائعًا واخلصوا له بمعني الكلمة، لكنه لم يكن مفاجئًا لمن تابع المشهد بعمق، فـ عنتر دخل المعركة بصفته وجهًا جديدًا في الحياة السياسية، ومرشحًا لحزب العدل، وعضوًا في التحالف الوطني، وهي صفات كانت كفيلة بمنحه دفعة قوية لو أُحسن توظيفها، لكن ما حدث هو العكس تمامًا.

جاد رفض التحالف مع المستقلين، وراهن على خوض المعركة منفردًا، متصورًا أن الخطاب السياسي وحده قادر على الحشد، وهو يعلم ان الحزب ليس لها قواعد تقف خلفه مهما كانت الظروف، لكنه لم يدرك أن التحالفات في هذه الدائرة ليست رفاهية، بل ضرورة، وأن العزلة السياسية ثمنها فادح.

الخطأ الأكبر لم يكن فقط في رفض التحالف، بل في إدارة المعركة إعلاميًا وشعبيًا، حين تحدث عنتر عن أنه سيواجه مصيره وحيدًا، لم يُترجم ذلك إلى تعاطف شعبي، بل إلى شعور عام بالغرور السياسي وحين انشغل بعض أنصاره بالرد والسب والتحفيل على أي منتقد، تآكل رصيد التعاطف أكثر وأكثر، وتحول الخطاب من دفاع عن مرشح إلى معركة شخصية مع المجتمع.

زاد الأمر سوءًا حين شعر كثيرون أن الخطاب يحمل نبرة شراء كل شيء، وكأن الأصوات تُختزل في معادلة المال أو النفوذ، فلفظه قطاع من الناخبين، وابتعدت عنه قواعد كان يمكن أن تكون داعمة، بل وتغير شكل التحالف داخل الدائرة، وأصبح هناك مرشحي حزب ومرشح مستقل في مواجهة مرشح حزب العدل، بعد أن خرج جاد من دائرة الاهتمام الحقيقي لقواعد تحالف حزبه.

و لم يكن المشهد أفضل حالًا لدى المرشحين الآخرين، محمد ربيع غزالة وهيثم توفيق زغلول ورغم انهما يمثلان نموذجًا متكررًا في السياسة، شباب مكافح، طموح، يمتلك الحلم والإرادة، ويصلان للمرة الثانية إلى جولة الإعادة دون أن ينجحا في حسم المعركة، التحالف الذي أعلناه لم يشفع لهما، ربما لأنه جاء علي غير الرغبة بعض أنصار كليهما، أو لأنه افتقد الوزن الحقيقي على الأرض، أو لأنه لم يُدار بالشكل الذي يضمن تحويل النوايا إلى أصوات وخاصة أن كلاهما من مركز السنطة والمرشحين الأقوي في الدائرة أيضًا من المركز ذاته.

وهنا تبرز حقيقة قاسية لكنها صادقة في هذه الدائرة، فشل من راهن على الخدمات فقط، وفشل من راهن على الأموال فقط، وفشل من راهن على الماضي فقط، الناس لم تعد تصوت بالعاطفة الخالصة، ولم تعد تنخدع بالشعارات، لكنها في الوقت ذاته لا تمنح ثقتها لمن يتحدث كثيرًا ويفعل قليلًا.

النجاح كان من نصيب من جمع بين أكثر من عامل، دعم قيادات، فكر مستنير، قرار حكيم، تحالف مدروس، قواعد داعمة، ومال يُدار بذكاء لا باستعراض، هذه كانت الوصفة الحقيقية للفوز بمقعد في البرلمان. ليس المال وحده يشفع، ولا القواعد وحدها تكفي، ولا التاريخ وحده ينقذ صاحبه.

السياسة في الدائرة السابعة بالغربية أثبتت أن إدارة المشهد لا تقل أهمية عن المرشح نفسه، من هم حولك، كيف يُدار الفريق، كيف تُقرأ الخريطة، متى تتحالف، ومتى تنسحب خطوة للخلف، كلها عوامل تصنع الفارق بين الفوز والسقوط.

في النهاية، لم يسقط عنتر لأن الناس لا تحب الجديد، ولم ينجُ منير لأن الحظ حالفه، ولم يتصدر عامر لأن الظروف خدمته، بل لأن كل واحد منهم لعب أوراقه بطريقة مختلفة. من فهم قواعد اللعبة خرج فائزًا، ومن تجاهلها خرج من المشهد، وربما من الحسابات القادمة أيضًا.

هذه ليست نهاية الطريق، لكنها درس سياسي قاسٍ لكل من يعتقد أن الانتخابات مجرد معركة أصوات، هي معركة عقول قبل أن تكون صناديق، ومعركة إدارة قبل أن تكون دعاية، ومعركة صبر قبل أن تكون اندفاعًا. ومن لا يتعلم من هذه الجولة، سيدفع الثمن في الجولات القادمة.