رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: العنف والقسوة

ينال الإنسان بالرفق ما يريد وزيادة، وبالعنف يُحرم مما يستحق، فالقسوة شؤم والعنيف مكروه ومبغوض؛ ولهذا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159]، والعنف لا يجلب إلا العنف, والقسوة لا تجلب إلا القسوة, فكم من معارك اشتعلت بسبب العنف والقسوة، وكم من قتيل قُتل بسبب العنف والقسوة، وكم من مسجون سُجِن بسبب العنف والقسوة, وكم من بيوت هُدِّمت بسبب العنف والقسوة، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُحْرَمِ الرِفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ كلَّهُ".
وشدد القرآن الكريم النهي عن القسوة والعنف مع ضعاف القلوب, كالوالدين اللذين وصى الله بهما الأبناء: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء: 23], وكاليتيم الذي وصى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}[الضحى: 9 - 10], وكالمرأة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة"، وفي استنكار نبوي على الأزواج الغلاظ وقسوتهم على أزواجهم يقول صلى الله عليه وسلم: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه", فكيف تستجيب المرأة لزوجها وقد كسر نفسها! لذا كان من أهم أسباب العنف الأنانية وحب الذات، والتقليل من شأن الآخرين, والرغبة في الحصول على أشياء يصعب قبولها بالقسوة, وعدم القدرة على مواجهة المشكلات التي يعاني منها الفرد.
ونهى الشرع الحنيف عن العنف حتى مع الحيوانات التي لا تنطق ولا تتكلم، فهي أولى بللين والرفق ممن ينطق ويتكلم ويتوجع ويتألم، فلما دخل صلى الله عليه وسلم حديقة لرجل من الأنصار فإذا جَمَل يبكي وتذرف عيناه فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ذفراه حتى سكت، فثم قال: من صاحب هذا الجمل؟ فقال فتى من الأنصار: هو لي يا رسول الله، فقال: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه".
وكان النبي  صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى بعض أصحابه حُمَّرة معها فرخان فأخذوا فرخيها، فجعلت الحُمَّرة تنتفض على فراخها، فقال صلى الله عليه وسلم مستنكراً لفعلهم: "مَن فَجَّعَ هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها", وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في حبس الحيوان وتعذيبه: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض".
وإذا كان الرفق من صفات أهل الجنة، فإن القسوة والغلظة من صفات أهل النار، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: 6]، وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتقائه شر أهل الجفاء: حينما استأذن عليه رجل فقال: "ائذنوا له فبئس أخو العشيرة"، فلما دخل أَلَان له الكلام، فقالت له: يا رسول الله، قلت ما قلت ثم ألنت له في القول، فقال: "يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه"، وعنفه وقسوته.