رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. منوعات

خلايا عصبية متوهجة تتيح للعلماء مشاهدة الدماغ وهو يعمل لحظة بلحظة

 

نجح علماء أمريكيون في جعل الخلايا العصبية تصدر ضوءا من داخلها، ما أتاح وسيلة أكثر أمانا ووضوحا لمراقبة نشاط الدماغ في الزمن الحقيقي، هذا التقدم العلمي يمكن الباحثين من متابعة عمل الخلايا العصبية الفردية لساعات متواصلة دون الحاجة إلى استخدام أشعة ليزر قد تكون ضارة أو إشارات تتلاشى بمرور الوقت مما يوفر نافذة غير مسبوقة على كيفية عمل الدماغ.

 

بدأ باحثون قبل نحو عشر سنوات في استكشاف فكرة جريئة وهي استخدام الإضاءة الحيوية بدلا من الإضاءة الخارجية لرؤية ما يحدث داخل الدماغ. وبدلا من تسليط الضوء على أنسجة الدماغ من الخارج، تساءلوا عما إذا كان من الممكن جعل الخلايا العصبية نفسها تتوهج ذاتيا، ويقول كريستوفر مور، أستاذ علوم الدماغ في جامعة براون، إن الفكرة انطلقت من التساؤل عن إمكانية "إضاءة الدماغ من الداخل"، خاصة أن الطرق التقليدية تعتمد على الفلورية وتسليط الليزر، وهو ما يتطلب تجهيزات معقدة ويؤدي أحيانا إلى نتائج محدودة أو غير مستقرة.

أسهمت هذه الفكرة في إنشاء "مركز الإضاءة الحيوية" بمعهد كارني لعلوم الدماغ بجامعة براون عام 2017، بدعم من منحة كبرى من المؤسسة الوطنية للعلوم، وجمع المركز فريقا متعدد التخصصات ضم باحثين من جامعة براون وجامعات أمريكية أخرى، بهدف تطوير أدوات جديدة في علم الأعصاب عبر منح خلايا الجهاز العصبي القدرة على إنتاج الضوء والتفاعل معه.

وفي دراسة نشرت في مجلة Nature Methods، وصف الباحثون أداة تصوير حيوية جديدة أطلقوا عليها اسم CaBLAM، وهي اختصار لعبارة "مراقب النشاط المعتمد على الإضاءة الحيوية للكالسيوم"، تتيح هذه الأداة التقاط النشاط داخل الخلايا العصبية المفردة وحتى داخل أجزاء صغيرة من الخلية نفسها، بسرعة عالية وبدقة كبيرة، وقد أثبتت فعاليتها في نماذج حيوانية مثل الفئران وأسماك الزرد، كما تسمح بتسجيلات تمتد لساعات دون الحاجة إلى أي مصدر ضوء خارجي.

وأوضح مور أن تصميم الجزيء المسؤول عن هذه التقنية قاده ناثان شانر، أستاذ علم الأعصاب وعلم الأدوية في جامعة كاليفورنيا، مؤكدا أن هذا الجزيء يفي تماما بالغرض الذي صمم من أجله، وتعد متابعة نشاط الخلايا العصبية الحية أمرا أساسيا لفهم كيفية عمل الكائنات الحية، إذ تعتمد الطرق الشائعة حاليا على مؤشرات فلورية حساسة لأيونات الكالسيوم.

غير أن تقنيات الفلورية رغم انتشارها تعاني من عيوب كبيرة، فالتعرض المطول للضوء الخارجي القوي قد يلحق ضررا بالخلايا العصبية، كما يؤدي بمرور الوقت إلى ظاهرة تعرف بتلاشي الإشارة الضوئية، ما يحد من مدة التجارب، إضافة إلى ذلك يتطلب إدخال الضوء إلى الدماغ تجهيزات مثل الليزر والألياف الضوئية، وهو ما يجعل التجربة أكثر تدخلا وتعقيدا.

تعمل الإضاءة الحيوية في المقابل بطريقة مختلفة تماما، إذ ينتج الضوء نتيجة تفاعل إنزيمي داخل الخلية نفسها، دون الحاجة إلى أي إضاءة خارجية، وبهذا لا يحدث تلاشي ضوئي ولا ضرر ضوئي للخلايا، ما يجعل التقنية أكثر أمانا للأنسجة العصبية الحساسة، كما أن الصور الناتجة تكون أوضح لأن أنسجة الدماغ لا تصدر ضوءا حيويا طبيعيا، وبالتالي يبرز توهج الخلايا المعدلة بوضوح شديد على خلفية مظلمة شبه خالية من التشويش.

وأشار شانر إلى أن الضوء الخارجي غالبا ما يتشتت داخل أنسجة الدماغ، ما يجعل الصور أقل وضوحا وأصعب في الرؤية خاصة في الأعماق. أما في حالة الإضاءة الحيوية فتعمل الخلايا العصبية كما لو كانت "مصابيحها الخاصة"، إذ يكتفي الباحث برصد الضوء الخارج منها، حتى وإن تشتت داخل النسيج، وعلى الرغم من أن فكرة استخدام الإضاءة الحيوية لدراسة الدماغ طرحت منذ عقود، فإن التحدي كان دائما في إنتاج ضوء كاف للتصوير التفصيلي، وهو ما نجحت هذه التقنية في تحقيقه.

وباستخدام CaBLAM، أصبح بإمكان الباحثين مشاهدة تنشيط الخلايا العصبية المفردة بشكل مستقل، وكأنهم يسجلون فيلما حيا فائق الحساسية لنشاط الدماغ أثناء حدوثه، وقد سجل الفريق جلسة تصوير متواصلة استمرت خمس ساعات، وهو أمر يصعب تحقيقه باستخدام الأساليب الفلورية التقليدية. ويؤكد مور أن هذه القدرة تفتح آفاقا جديدة لدراسة السلوك المعقد والتعلم، مع تقليل الاعتماد على الأجهزة الثقيلة والتدخلات الجراحية.

ولا يقتصر هذا المشروع على تصوير نشاط الدماغ فقط، بل يأتي ضمن جهد أوسع لتطوير وسائل جديدة لمراقبة النشاط العصبي والتحكم فيه، وتشمل هذه الجهود تجارب تظهر كيف يمكن لخلية حية أن ترسل ومضة ضوئية تلتقطها خلية مجاورة، بما يشبه إعادة "توصيل" الدماغ باستخدام الضوء، إضافة إلى تقنيات أخرى تعتمد على أيونات الكالسيوم لتنظيم نشاط الخلايا العصبية.