من الأمور اللافتة للنظر كثرة الشحناء والبغضاء والخصام وكثرة الاتهامات المتبادلة والعدوات بين افراد الاسرة الواحدة ( الزوج والزوجة .. والإخوة الاشقاء والاب واولاده ) وبين الزملاء داخل المؤسسة الواحدة وينسحب ذلك على المجتمع باثرة ...
هناك عوامل متعددة تؤدى الى تأجيج الخلافات وتشعل العدوات .. لكن الخطورة وما نحذر منه ان بعض البشر يجد سعادة غامرة فى إشعال الفتن بين الناس . كأن يفرق بين الزوج والزوجة.ويزرع الشقاق والغيره بين ألاخوة والاصدقاء والزملاء وينشر الشائعات المضلله بين ابناء المجتمع الواحد .. هؤلاء مهنتهم إفساد العلاقات الاجتماعية علينا ان نحذر منهم ونتصدى لمكائدهم !فهم الخبثاء الأشرار اخوان القردة والشياطين... ..
يقول تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)!
امرنا الله بالتقوى ..وامرنا بإصلاح ذات البين قبل ان يأمرنا بطاعته وطاعة رسولهﷺلأهميتها فى تحقيق الاستقرار فى الاسر والمجتمعات
فكم هو مؤسف أن تمر الأيام على أناس يقرؤون هذه الآية، وهم مصرون على القطيعة؟!
إصلاح ذات البين من أجل وأعظم الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى. وهى أعظم الصدقات..
ويلاحظ ان هناك فرق بين الصلاح والاصلاح وبين الصالح والمصلح !
فالصالح يكون فى ذاته والمصلح يكون لنفسه بأن يردها عن غيها و مصلحا لغيره. بأن يأخذه بيد اخيه إلى الهداية والطريق المستقيم ...
فما اجمل ان نكون صالحين مُصلحين..فالإصلاح بين الناس مهنه الشرفاءوهوايه العظماء
والافساد بين الناس مهنة الخبثاء
وصنيعة ألاعداء.
الأهم ان لايكون صلاحنا مزيفا ..
لانه لايمكن نتصف بالايمان ..او بان عقيدتنا صحيحة. وعباداتنا مقبولة وقلوبنا مريضة يملؤها الحقد, والحسد, والاستعلاء وان تكون افعالنا مناقضة لأقوالنا .
فالبعض يحسن الكلام ،ويعجبك مظهره وسمته ، ويحرص على اداء الصلاوات ..ويداوم على أداء مناسك العمرة والحج ..وغير ذلك من الشعائر ....لكن عندما تعامله على ارض الواقع تجد سلوكياته مختلفة ..نجده يكذب و يحتال، يأخذ ما ليس له، وينقل الكلام ويسير بين الناس بالغيبة والنميمة ويقذف الناس بالباطل ويوقع العداوة بين الناس فعندما تمرض القلوب تكثر العيوب ..ويخسر الانسان دنياه وآخرته يقول تعالى
﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾..
لذا ثواب إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة لانها تحقق استقرار المجتمعات : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ..: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ, وَالصَّلاةِ, وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ, فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) والحالقة فسرها النَّبِيِّ بأنها الذى يسعى الى افساد العلاقات بين الناس ليوقع بينهم العداوة, والبغضاء، والحسد، عن طريق والغيبة, والنميمة، والكذب، والاحتيال، واغتصاب الأموال، وإغتصاب الأعراض....فهو قد خسر دينه ورد عن النبى الكريم ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ( هِيَ الْحَالِقَةُ, لا أَقُولُ: هي تَحْلِقُ الشَّعَرَ, وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ) ...
قصة لها دلالة
------------------
يُحكى أن خياطاً أراد أن يعلم حفيده حكمة عظيمة على طريقته الخاصة، وفي أثناء خياطته لثوب جديد، أخذ مقصه الثمين وبدأ يقص قطعة القماش الكبيرة إلى قطعٍ أصغر، وما أن انتهى من قص القماش حتى رمى المقص على الأرض عند قدميه، والحفيد يراقب بتعجب ما فعله جده، ثم أخذ الجد الإبرة وبدأ في جمع تلك القطع ليصنع منها ثوباً رائعاً، وما أن انتهى من الإبرة حتى غرسها في عمامته، في هذه اللحظة لم يستطع الحفيد أن يكتم فضوله وتعجبه من أفعال جده، فسأله: لماذا يا جدي رميت مقصك الثمين على الأرض بين قدميك واحتفظت بالإبرة رخيصة الثمن ووضعتها على عمامة رأسك؟ فأجابه الجد: يا بني إن المقص هو الذي قص قطعة القماش وفرقها وجعل منها قطعاً صغيرة، بينما الإبرة هي التي جمعت تلك القطع لتصبح ثوباً جميلاً، فكن من الذين يجمعون الشمل، ولا تكن من الذين يفرقون الناس اشتاتا، فالأيادي التي تمتد بالخير للناس لا تبيت أبداً فارغة.
سعادة الانسان فى تصفية خلافاته
---------------------------------------
لا يمكن ان يهنأ الانسان فى حياته ..ويرتاح باله .وهو يحمل العداوة والحقد والحسد ويشعل الخلافات مع غيرة .
فالإنسان لا يسعد إلا بعلاقة طيبة مع الناس جميعا والاولى بهذه العلاقات الطيبة زوجته وأولاده، وجيرانه، وذوى رحمه وزملائه فى العمل وجيرانه الذين يتعامل معهم يوميا . وأصدقائه وبنى وطنه ..
بعض الخصومات تكون أسبابها تافهة، وإزالتها يسيرة، وقد توجد رغبة الصلح عند الخصمين، ولكن تمنعهما الأنفة والكبر والعزة من التنازل ..او لتواجد بعض الاطراف التى لاتحب الخير. فتسعى لتعميق الخلافات .واشعال المواقف حتى لاتهدأ نار العداوة !
لذلك الخيرية دائما تكون لمن يبدأ اولا بالسلام حتى نغلق باب العداوة .. وأجل ألاعمال لمن يسعى فى اصلاح ذات البين .. وأحط ألاعمال التى تحلق الدين لمن يسعى بالافساد بين الناس فهى من صفات ابليس لعنه الله يقول تعالى ﴿..إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾
من الوصايا التى تساهم فى
إصلاح ذات البين
-------------------------------------
١- ان تراعى كلامك فلا تتكلم الا بما يقرب وجهات النظر ويؤدى الى رأب الصدع .. وتجنب الكلام الذى يفهم منه الإساءة واللمز والغمز .
بداية الاصلاح ان يكون لديك نية الاصلاح والرغبة فى ان تعيش فى هدوء ..فيترجم ذلك لكلمة خالصة صادقة تبغى بها وجه الله .مصداقا لقوله تعالى﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ سورة النساء ..
٢- لاتتعجل فى الاتهامات .. واخذ المواقف المتشددة والعنترية قبل التحقق والتيقن من صحة الرواية
واذا تيقنت غلب حسن الظن دائما بأخيك والتمس له الاعذار .. مصداقا لقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ وتنفيذا لوصية نبى الله سليمان عليه السلام. عندما عندما اخبره بنبأ بلقيس ملكة سبأ قال للهدهد كما سجل القرآن :﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ سورة النمل
٣- اذا وقع الخلاف وهذا امر طبيعى بين البشر سواء بقصد او بدون قصد على الانسان ان يكون هين لين لايسعى الى زيادة الخلافات وتصعيدها ..بل يسعى جاهدا محاصرتها ..لان نار العداوة والبغضاء اذا اشتعلت تخرب البيوت وتقطع الاواصر ..وتؤدى الى التقاتل ..
لذا البحث عن الحلول و الجنوح للسلم من صفات العقلاء المؤمنين ليس على سبيل الضعف والاستلام ..بل للهروب من العدوان ولهيب الخصام . تنفيذا لقوله تعالى (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ)
٤- اذا كنا مأمورين بالجنوح للسلم مع الاعداء التى لاتجمعنا بعدهم مصلحة .. فمابالنا مع زملاء العمل والاصدقاء وذوى الارحام والاسرة الواحدة بين الزوج وزوجته من باب اولى ان نحرص على العلاقات الطيبة بينهم ونتجاوز عن مابدر منهم لاستدامة الحياة الزوجية تنفيذا لقوله تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )﴾
٥- تقوى الله. هى العلاج الشافى لكل مرض يقول تعالى ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة الأنفال ]
لان تقوى الله فيه صلاح للنفس قبل اصلاح الغير ..فاذا اصلحت مابينك وبين الله أصلح ما بينك وبين الناس..
٦- اصلاح العلاقات مع الآخرين يكون أيضا بالتخلى عن الكبر وبتعود الصبر وبتعلم ثقافة الاعتذار.. فهذا يزيد الانسان عزة وقيمة ومكانة...
ختاما من أجمل ألاقوال فى اصلاح النفس واصلاح ذات البين ...
---------
الحياة قصيرة ..والهموم ثقيله .لاتزيدها بكبرك وعنادك
وتواضع لله وتحلى بسماحة النفس وبصفاء القلب وكن ذا نية صادقة للاصلاح وتصفية اى خلافات بينك وبين غيرك ..
إذا جاءك المهموم اسمع .. وإذا جاءك المُعتذر اصفح..وإذا ناداك صاحبك لحاجةٍ اجبه على قدر استطاعتك ..
إذا اتفق الناس على الصلح فلا تفسده، وإذا اتفق الناس على المساعدة فلا تحرض عليها، وإذا لم تكن رأسًا في الخير فلا تكن رأسًا في الشر، على الأقل تنحَ جانبًا ودع الخير يجري، الخير كالماء يحتاج أرضًا منبسطة، فلا تكن سدًا!..
لا تفسد استمتاعك بلحظات حياتك.. بالتفكير في ناس أساؤوا إليك فتدبر لهم المكائد ..سلم امرك لله ....
إذا أنعم الله عليك بموهبة لست تراها في إخوانك فلا تفسدها بالاستطالة عليهم بينك وبين نفسك وبالتحدث عنها كثيراً بينك وبينهم، فإن نصف الذكاء مع التواضع أحب إلى قلوب الناس وأنفع للمجتمع من ذكاء كامل مع الغرور...
قد يقول قائل انى اقدم الخير ولا احصد ألا الشر والشوك ..ونقول
حتى إن حصدتَ شوكًا يكفيك أنك للورد تزرع . وهم يعصون الله فيك وانت تطيع الله فيهم .
تعلّم كيف تهدي النّور لمن حولك
وإن كانت خفاياك متعبة..فثواب العطاء يُخبِئ لك فرجاً .من حيث لا تحتسب...
حينما سُئل بعض الصالحين عن الأخوة والصداقة، قال: هي الأغصان التي تُغرس في القلوب فتُثمِر على قدر العقول،
قال بعض الحكماء: الناس اخوة خلقت من نفس واحدة في أجسادٍ متفرقة.
عندما تختلف اوتكره شخصاً، فمن الرقي ألا تجعل الجميع يختلف معه و يكرهه من خلال حديثك السيء عنه، دع غيرك يخوض التجربة فقد يكون الخلل منك.
ليس من الاخلاق ان كل ما نسمعه ننقله حتى لو كانت النيه طيبه قد يُفهم نقلك خطأ أو ينقل عنك بسوء نيه فتكون انت سببا فى هدم البيوت العامرة او تفرق بين الأهل و الأقارب والأصدقاء والزملاء.. وبسبب الشائعات والفتن والدسائس تسقط المؤسسات وتنهار الدول ..
اللهم أصلح ذات بيننا و، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا وبلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحفظ بيوتنا ووطننا من اعدائك برحمتك يا أرحم الراحمين»
جمعة طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش
٢٠٢٥/٥/٢م