رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: حبيبتي (1)

نعم هي حبيبتي، نعم هي معشوقتي، نعم هي مودتي وسعادتي، نعم هي حبيبة كل إنسان ومعشوقة كل عاقل وهي النفس البشرية التي خلقها الله بيده ونفخ فيها من روحه، وكرمها وعظمها، وسخر لها ما في السموات والأرض، وليس كما جاء عن بعض السلف قوله: "لا ‌يفقه ‌الرجل ‌كل ‌الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا"، وهذا ليس بصحيح؛ لأن محبة الناس ومحبة الخير لهم عبادة، كما أن حب النفس فِطرة وجِبلة فُطرنا وخُلقنا عليها، كمحبة الولد والمال، وهي أيضاً فطرة حتى في الطير والحيوان، الذي تراه يجري على ما ينفعه من الطعام والشراب والمأوى، ويهرب مما يضره من الصيد أو القتل أو الذبح، وكذلك الإنسان يدور في فلك نفسه محبة وكرها، رغبة ورهبة، حتى تحدث القرآن عن هذه الفطرة يوم القيامة، فقال تعالى عن أهل النار: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ}[المعارج: 11 - 14]، فمحبة النفس أعظم من محبة الناس كلهم الأقربين والأبعدين.
وجاءت الشرائع السماوية مقررةً ومؤكدةً لهذه الفطرة، وذلك من عدة وجوه ، من أهمها:
ـ قول رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب نفسه"، فما أنكر الإسلام محبة النفس وإنما منع من الأنانية، وحث على محبة الخير لكل الناس. 
ـ وضع الإسلام قاعدة عريضة على بذل الخير للناس خاصة الأقربين منهم، وهي: "الأقربون أولى بالمعروف"، وأقرب الأقربون إلى الإنسان هي نفسه التي بين جنبيه، فهي أولى بالاهتمام والرعاية من أي أحد.
ـ حذر القرآن الكريم الإنسان أن يمنع نفسه من الطيبات أو يُحَرِّمَ عليها شيئاً مما أحله الله تعالى حتى توجه الخطاب القرآني لشخص النبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: 1].
ـ حرم الإسلام على الإنسان أن يؤذي نفسه أو يعتدي عليها، فقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: 195]، وتزداد الحرمة أن يقتل الإنسان نفسه أو أن ينتحر، فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[النساء: 29، 30]، أما قتل نفسٍ أخرى بغير حقٍ فهي جريمة أعظم عند الله تعالى من هدم الكعبة نفسها.
ـ منع الشرع من الدعاء على النفس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم، فيستجيب الله لكم"، بل سجل القرآن الكريم كثيراً من الدعوات للأنبياء والمرسلين لأنفسهم ولأهليهم ولأقوامهم وللناس أجمعين كما دعا نوح علي السلم وقال: {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[نوح: 28].
ـ أنزل الله الكتب وأرسل الرسل لسعادة النفوس البشرية في الدنيا وفي الآخرة، بلا مشقة ولا حرج ولا عنت، فقال تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه: 1، 2]، وإنما كانت تشريعات السماء هي الموازنة بين مكونات النفس البشرية من: الروح والجسد وتلبية حاجات الروح والجسد بلا إفراطٍ ولا تفريط.