لماذا كان القرآن شفاءً وليس بدواء؟ وما العلاقة بين شفاء العسل وشفاء القرآن؟
أولاً: القرآن شفاء وليس بدواء؛ لأن الدواء لا يؤخذ إلا عند الحاجة والضرورة ولعدة مرات محدودة, أما الشفاء فيتعاطاه السليم والسقيم في أي وقت وبلا حساب, كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يحجبه عن القرآن إلا الجنابة.
والقرآن شفاء للأرواح من الهموم والغموم والآلام والأحزان بقَصصه ومواعظه, وعلاج لما في الصدور من الشبهات بحججه وبراهينه, وطهارة لما في القلوب من الشهوات بترغيبه وتخويفه, ودواء للأجسام وما بها من أمراض وأسقام, قال الله تعالي عن شفاءات القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 58].
وكان النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يستشفي دوما بالقرآن, فكان إذا اشتكى قرأ المعوذات في يده ومسح بها جسمه, وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل ربه هذا الشفاء القرآني للهموم والأحزان, ويقول: "اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي".
وكل من صاحب القرآن ولازم القرآن اقتبس من صفات القرآن, كما يقتبس الصاحب من صفات صاحبه, وصاحِب القرآن صحيح القلب والفكر وسليم العقل والروح والجسد, وإن اعترضه مرض حسي أو معنوي فهو طارئ وليس بدائم.
وصاحب القرآن نفسه شفاء ونور وهداية لغيره من الناس, فلا ينطق بسفه ولا يتكلم بجهالة, ولا يكون سببا في ألم إنسان أو وجعه؛ لأنه لا يصدر في أقواله وأفعاله وجميع أحواله إلا عن حكمة القرآن.
ثانياً: هناك علاقة وثيقة بين شفاء القرآن وشفاء العسل, فتأمل قوله تعالى: {وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}[النحل: 68، 69], ولاحظ هذه الأوامر الربانية لمجموعات النحل: (اتخذي) (كلي) (فاسلكي), فسرعان ما امتثل النحل أمر ربه, فلما أطاع النحل الوحي الرباني, أخرج الله من بطونها عسلا فيه شفاء للناس, وكذلك عندما تُطاع أوامر الله ووحيه وشرعه, يخرج عسل الهداية للبشرية و النور والخير للمجتمع.
فقدِّم ثمنا لهذا الشفاء القرآني والعسل الإلهي بطاعة القرآن والتمسك بالقرآن, وكلما ازداد المؤمن إيمانا وعملاً بالقرآن, كلما كان شفاء القرآن له أقوى وأشد تأثيرا, بل لا ينال شفاء القرآن إلا المؤمنون, كما قال تعالى: {قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءً}[فصلت: 44], أي للمؤمنين وحدهم دون غيرهم.