ها قد أتى رمضان خير شهور العام شهر الحسنات والبركات شهر نجاهد فيه أنفسنا لنفوز برضى رب العباد وفى كل عام يأتى الشهر الفضيل وقد تناقصنا ورحل عنا أحبابًا كانوا لنا خير المعين والرفيق والمرشد والناصح الأمين فى رمضان فالله أسأل أن يجعل أعمالهم الصالحة فى موازين حسناتهم وما علمونا من أعمال تُرضيه سبحانه شفيعة لهم ورفعة لدرجاتهم فها قد بدأنا الصيام ولنا فى بطن القبور احبة فاللهم ارحم من رحل عنّا وآلمنا رحيله رحل وكنا نتمنى أن يبقى بجانبنا ليُنير لنا رمضاننا الحالى ولا نَملك سوى الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة وأن يُثبتنا الله ويلحقنا بهم فى الجنة ونحن من المقبولين ونرجو من الله أن يتقبل منا دعواتنا ودموعنا على ذكراهم العَطِرة في شهر الخير والرّحمة والإحسان وأن يبلغنا وإياهم الدرجات العلا من الجنات نعم أتى رمضان هذا العام ولكل منا أحزانه ولكننا إن أحسنا القرب من الله فستتلاشي هذة الأحزان لأننا فى شهر يبدل الله فيه حال المؤمن التقى من حالٍ إلى حال.
ورمضان فرصة لا تتاح كل عام إلا مرة واحدة فلنغتنم هذه الفرصة ولنستفد منه كأنه آخر رمضان سيمر علينا فربما يأتي العام القادم وقد لحقنا بمن سبقونا إلى الآخرة ونكون تحت التراب كما حضر رمضان هذا العام وقد فقدنا بعضًا من أحبابنا كنا نتمنى كما كانوا يتمنون أن نكون جميعًا معا في رمضان – نسأل الله أن يجمعنا وإياهم في مستقر رحمته ودار كرامته برفقة الأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء- إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء حتى لا يتحقق قول النبي (رُب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورُب قائم حظه من قيامه السهر) وذلك لأن لكل جارحة صومها فالإمساك عن الطعام والشراب صوم البطن والإمساك عن الشهوة صوم الفرج وتبقي باقي الجوارح ما لم يتم صومها فقد انحصر الصيام في الجوع والعطش في صيام البطن والفرج وإنما ينبغي علينا صيام اللسان عن اللغو والرفث والكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والقذف والسب والشتم واللعن والسباب والقول بغير علم والإفك والبهتان وجميع آفات اللسان وتصوم العين عن النظر إلى ما لايجوز النظر إليه من المحارم والمنكرات وتصوم اليد عن تناول ما ليس لك بحق وعن كتابة الكذب والزور والباطل وعن منع الحقوق عن أصحابها وتصوم الأذن عن سماع الغيبة والأغاني والموسيقي والتجسس والكذب وتصوم الرجل عن المشي في غير طاعة الله وإلى أماكن اللهو والفجور والإثم وفضلًا عن ذلك كله يصوم القلب عن الأمن من مكر الله وعن الرياء وعن الإعجاب بالنفس أو بالرأي أو بالجنسية أو بالجنس والنوع وعن الرياء وعن محبة ما لا يحب الله تعالى من الظلم والفساد والخيانة وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا بمثل هذه المعاني يكون الصوم المقبول الذي يثمر التقوى.
وشُرع الصيام وما في هذا الشهر من عبادات متنوعة لكي نرجع إلى الله عز وجل ولكي نتوب وننيب ونحاسب أنفسنا ولكي ننظر في سيرنا إلى الله سبحانه وتعالى وننظر في حقوق الله ثم حقوق إخواننا ولم يُشرع صيام وعبادات الشهر الكريم لكي نكثر من الذنوب والخطايا بل كى نتخفف ونتطهر من الذنوب والخطايا ولكن أعداء الدين ومحبي الفجور والفتن والبدع جلبوا علينا بل وأغرقونا في أشياء تُلهينا وتبعدنا عن أصل الشهر وما شُرع من أجلها أبرزها المسلسلات والأفلام والبرامج التافهة والتى تحول رمضان لدى البعض بسببها موسم للمنافسة على متابعة أعداد كبيرة من الأعمال التى تُضيع الوقت وتُمضيه فى غير محله وبسببها نتكاسل عن ذكر الله وعن الصلاة وكأن هذة الأعمال صُنعت ليفسدوا علينا فائدة الإلتحاق بهذة المدرسة العظيمة مدرسة رمضان ويفسدوا علينا رجوعنا إلى الله عز وجل فالمسلمين إذا رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى واتحدت قلوبهم وأبدانهم كان في ذلك العز والنصر والفلاح لهم أما أعداء الإسلام فيسوؤهم ذلك ولهذا يجلبون على المسلمين ويزينون لهم الذنوب والمعاصي بالأفلام والمسلسلات وماشابه ويقومون بالإعلان عن مثل هذه الأشياء وفعل الذنوب والمعاصي ليحولنا إلي عدم تقوى القلب والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30] {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] فكونك تُعظم شعائر الله هذا من تقوى القلوب فإذا كنت تريد الخيرية في الدنيا والآخرة فعظم حرمات الله عز وجل وتعبد لله عز وجل بأنواع العبادات بالصلاة والصيام والدعوة وإطعام الطعام وكل قربي إلى الله عز وجل كلما مضى شيء من الشهر زد عبادة وإختلي بالله سبحانه وتعالى،واكثر من التبتل والدعاء والذكر والقراءة وقيام الليل وتحري هذه الليلة الفضيلة ليلة القدر الله أسأل أن يبلغنى وإياكم هذة الليلة المباركة.
ولرمضان آثاره الجليلة في قلب العبد بتقويته لجانب المراقبة لله حيث كان الصائم مراقب لله رقيب على نفسه رقابة ذاتية في السر والعلانية والغيب والشهادة محافظًا على صيامه من الانتقاض أو الانتقاص لذلك دعونا نرى أثر رمضان فينا وكيف سيُغيرنا عقب ما نعيش فيه من روحانيات ونذق فيه لذة الطاعة وحلاوة الإيمان وكيف سيُأثر في نفوسنا وأرواحنا وحياتنا كلها بل حتى في أجسادنا بالصحة والعافية حتى نتأكد ونعلم علم اليقين أن الطريق للحياة الطيبة المطمئنة هو العمل الصالح والقرب من الله وأخذ النفس بالحزم والعزم في ذلك وذلك لأن رمضان موسم تنشط فيه النفوس على سائر الطاعات وفيه من المحفزات الربانية ما ليس في غيره من الشهور وعلينا البداية فيه ثم الحفاظ على أثر الطاعة ونداوم ولو على القليل فالله يحب ذلك من العبد ويرضاه ليَبقي العبد دائم الصلة بالله حي القلب منشرح الصدر متلذذ بالإيمان كل الشهور والأيام والإنطلاقة تكون من رمضان فهو كفترة الإعداد البدنى لبدء الموسم الرياضى وبلا إعداد بدنى فأنت مُعرض للإصابات بسهولة والعكس صحيح فلا تغفلوا وتعبد وإحرص علي المراقبة لله الرقيب الشهيد فما أشد الحاجة للمراقبة في زماننا هذا الذي انفتحت فيه أبواب الشهوات وكثرت فيه الملهيات وسهلت فيه الخلوة بالمحرمات وقل فيه المعين على الطاعات فعلينا مراقبة الله عز وجل والتي تُعد منزلة من اعلي المنازل وأنفع الأعمال فهو يُحدِث للعبد مراقبة لله بما أمره فيفعله على أحسن حال ومراقبة لله عند نهيه فيجتنبه ويحذر الوقوع فيه ويتعبد لله بمقام الإحسان فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فالله يراه ويطلع على سره ونجواه ويستحي من ربه أن يراه يفعل ما نهاه أو يطلع عليه تاركًا تنفيذ ما أمره.
عزيزي القارئ أتي رمضان فراقب الله فيه ... رمضان كريم