بعد "خناقات" الجامعة والمدرسة ... نحتاج ان نعود لـ "فن الإتيكيت في التعامل"
طلت علينا في الأسبوع الماضي عدة قضايا تعكس الواقع المجتمعي الذي نعيش فيه، خاصة عندما يحدث داخل محراب للعلم مثل المدرسة او الجامعة أو ماشبه، من أماكن تقترب قدسيتها من دور العبادة، فما بين مدرس ابتدائي او إعدادي وأستاذ جامعي وتلميذ ابتدائي وطالبة في كلية ما يظهر فقط الفرق العمري وليس الثقافي الذي نرجوه، وللاسف تشعر ان الجميع لديه نفس رد الفعل متحفز للطرف الآخر
.
والواقع ان هذا هو تطور طبيعي لما نادينا وننادي وسنظل ننادي إلي ان يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، إلا وهو ضرورة العودة وتربية أولادنا بل وكبارنا وإعادة غرس ما محاه ما أُطلق عليهم نجوم المجتمع في الفترة الأخيرة من أولئك الذين صدروا إلينا تلك الاخلاقيات عن طريق أعمالهم الهابطة، التي لم تكن ابدًا فينا ولا بيننا وإن وُجدت كانت لقلة قليلة منبوذة لا تتحكم في مجريات الأمور ولا تؤثر علي الذوق والأخلاقيات العامة للجميع.
ففي الأسبوع الماضي ظهر عميد أحدي الكليات العامة في إحدي أعرق جامعات مصر في فيديو انتشر يعاتب فيه فتاة لم تُكمل عامها العشرين علي استخدام المحمول خلال محاضرته-وهي مخطئة- واستدعها للصعود للمنصة التي يُلقي المحاضرة من خلالها، فأخبرته انها كانت تتحدث لوالدها لامر ملح، فما كان من عميد الكلية إلا ان أخذ المحمول من يد الطالبة وألقاه علي طول يده وطرد الفتاة من المحاضرة الامر لم يقف عند هذا الحد بل ردت الفتاة عليه فرد عميد احدي اعرق الكليات علي الفتاة الصغيرة بإسلوب لا يرتقي للمرور من باب الجامعة لا من علي منصة كلية في محاضرة امام جيل بأكمله، نعم أخطأت الفتاة والطرد من المحاضرة كان عقاب رادع لكن تحطيم المحمول والدخول في وصلة ردح ليس له محل من الإعراب.
وفي نفس اليوم ونفس المحاضرة ونفس المحاضر، تم ظبط طالب يدخن السجائر فتم إستدعاء الأمن بعد إصرار الطالب علي عدم التوقف عن التدخين وتم إجباره علي الخروج من المدرج ولكن دون إهانته رغم ان جرمه من وجهة نظري اكبر ولا مبرر له سوي انه استهان بكل شئ ولكن هنا كان طالب فكان التعامل الرسمي ولم يكن هناك تطاولًا عليه لانه من المحتمل ان يرد التطاول بتطاول اكبر فتم إحترام صاحب التصرف الأقبح لا لشئ غير انه يستطيع الرد، وللأسف هذا كله امام جيل صاعد من الطلبة والطالبات، في النهاية تم تحويل كليهما لمجلس تأديب ونتمني ان يكون العقاب ليس به مجاملات للسيد العميد لانه في الواقعة الاولي تجاوز ولم يستخدم ضبط النفس كما في الثانية.
والواقعة الأخري من عدة وقائع طلت علينا في الأسبوع الماضي، اخترتها لحضراتكم من مدرسة إبتدائية بمحافظة الغربية، حين قام مدرس يُدرس للصف الثالث الابتدائي بالتنمر ضد طفل دمج ونعته بأغلب خلق الله وضربه حتي سالت الدماء من انفه وتبول لا إراديًا داخل الفصل، وعندما حضرت والدة الطفل لم يعتذر المدرس بل ظل في إصراره ان الولد بطيئ الاستيعاب وأنه هذة هي طريقته في التعليم و"اللي مش عاجبه يروح مدرسة خاصة".
توجهت السيدة إلي قسم الشرطة وبالفعل حررت محضرًا وتوجهت قوة من قسم الشرطة إلي المدرسة واصطحبت المدرس وتم تكبيله (ربط يده بالكلبشات) امام التلاميذ وأهليهم، وعُرض علي النيابة العامة ثم تصالح الطرفان بعد تدخل رجال الخير.
قبلها وفي احدي مدراس المرحلة الابتدائية طلبت المدرسة من تلميذة بالصف الخامس الابتدائي أما الحجاب او العقاب، فما كان من والدة الطفلة الا الرفض وتصعيد الامر لتصل الرسالة للمدرسة والمدرسة ان الحجاب حرية شخصية خاصة في سن الأطفال وقبل سن التكليف.
فعندما تحدث هذة الوقائع داخل هذة المؤسسات التعليمية، اعتبره ناقوس خطر، فيجب ان نتوقف فورًا لنري ماذا يحدث وكيف يحدث وماهي أسباب حدوثه، هذة الأفعال التي نتمني ان تكون فردية ماهي إلا نتاج لإنحدار أخلاقي وثقافي طال الجميع انحدار سلوكي يحتاج التقويم والتربية من جديد يحتاج ان تتدخل الدولة ومعها منظمات المجتمع المدني فورًا بعلماء الدين والنفس والاجتماع وكافة المتخصصين من اجل فرض الأدب والأخلاق وتسامح وأخلاقيات الأديان السماوية لنتعلم فنون التعامل ونبعد عن هذة الهمجية التي يراها ابنائنا فينا فيطورون منها ويقلدون ما ننهاهم يوميًا عن تقليده من ابطال الأعمال الهابطة والمبتذلة.
لابد ان نتعلم مما سبقونا من الأمم التي تقدمت وسبقتنا بمراحل كبيرة، فتعليم الاخلاقيات وفن التعامل مع الآخرين علم لماذا لا يتم تطبيقه، الا تتذكرون قديمًا مدربي الإتيكيت، فكان جميع اصحاب السلطة والنفوذ والمال يستقطبون لأولادهم مدربين ومعلمين لتعليمهم فنون التعامل مع الناس وطريقة التحدث والأكل والمشي وحتى النوم.
والموضوع كان لمن يملكون المال والسلطة والنفوذ يتعلمون كيف يعاملون الناس، فما بالكم بعامة الشعب منا أليس نحن الاولي بالتعلم كيف نتعامل مع بعضنا البعض، وكيف نحتوي بعضنا البعض، ومع إنتشار العلم ووسائل التواصل والإعلام أصبح من السهل ان نفرض علي حياتنا تلك الأساليب المؤدبة التي تحقق الاحترام فيما بيننا وحتي نتحدث بأسلوب راقي ونتعامل بالحسني.
وأقل الإيمان ان نعود من جديد جميعًا لإستخدام تلك المصطلحات التي اختفت تقرييًا من حياتنا مثل من فضل حضرتك وبعد إذنك ولو سمحت واسمحلي لي وماشابه من كلمات طيبة في التعامل تجعل روح السماح والإيثار فيما بيننا، ان نُجبر ابنائنا علي إحترام حرية الآخرين وان حريتنا تنتهي عند حرية الآخرين، نحتاج ان نعود للأخلاقيات السامية الإنسانية التي وجدنا عليها آبائنا واجدادنا والأجيال التي كانت تُصدر الأخلاق للعالم اجمع، نحتاج لمجموعة من البرامج والأعمال الدرامية التي تعلمنا كيفية التعامل بأدب علي ان نُعطي كل ذي حق حقه ولا نستهين بأحد.
نحن في حاجة إلي تعلم فنون التعامل مع بعضنا البعض دون ان نستهين بأحد ودون المبالغة مدح أحد نحتاج ان نعود لـ "فن الإتيكيت في التعامل".