رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

حسام فوزي جبر يكتب ... تواصل إجتماعى واقعى

لا يستطيع أحد ان يُنكر أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي حل عدة مشاكل إنسانية، وكان بمثابة حلم طالما حلم وفكر فيه الانسان منذ اقدم العصور، وهو طى للزمان والمكان بكل سهولة، فأنا أستطيع اليوم، بفضل الله ثم هذة المخترعات الحديثة، ان أتكلم مع من اريد حتى لو كان يبعد الآلاف الاميال وفي اي وقت من اليوم، فلم يعد قيمة للمكان ولا الزمان ولا حدود سياسية وهذه ميزه منحتها لنا وسائل الإتصال الحديثة، وبالفعل جعلت من العالم أجمع قرية صغيرة سهلة التواصل، ولعل من عاش فى فترة التليفون الثابت ذو القرص الدائرى ومن قبله منافيلا التحويلات والتليفون الأوحد فى قرية بأكملها، والتواصل عن طريق شرائط الكاسيت والخطابات المرسلة بالبريد يعرف جيدًا ويدرك ما أقوله.
ورغم أن عالم التكنولوجيا هو عالم افتراضي أقرب إلى الحقيقة والواقع لان المشاركين فيه غالبًا هم بشر موجودين بالواقع ويتواصلون بشكل فعال ولذا يمكننا ان نسميه أو نوصفه كشكل جديد ومتطور من العلاقات الانسانية لابد من تقبُله والتعود عليه، مع ضرورة ضبط آلية التعامل معها ووقتها وطريقتها، والفرد نفسه هو من يحدد اذا كان يستفيد منها كنوع من الإطلاع، أو إيجاد أصدقاء جدد عبر الانترنت أو قدامى لم يكن ليصل إليهم إلا عن طريق وسائل التواصل عبر الإنترنت، او يسئ استخدامه في غير موضعه كتضييع الوقت او الإدمان الذي ينعكس سلبًا على الفرد ويفوت عليه الانخراط في الحياة الاجتماعية الواقعية، وهذا أسوأ ما فى هذة الحياة الإفتراضية.
فالتكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين، فلا يمكن إنكار ان وسائل الاتصال الحديثة قد وسعت آفاق الفكر وزادت من حجم معارف وعلاقات الشخص، لكنه قد يكون سببًا في إبتعاد الأشخاص عن عائلاتهم وانشغالهم الدائم بمواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية فلا حياة عملية بينهم، وهذا ما أعتبره الطامة الكبرى والسلبية العظمى من وسائل التواصل الإجتماعى والإنترنت، تلك الحياة الفاترة الباردة التى نرها بل ونعيشها داخل الأسرة المصرية أحد أهم منابع الدفئ والحنان.
فترى جميع إفراد الأسرة إن إجتمعوا فى مكان واحد، مجتمعين جسد بلا روح وربما بلا عقل فكلٍ يحدق فى جهازه المحمول ربما للحديث مع آخرين وربما لتصفح اخر الأخبار وربما للعب الفردى أو الجماعى، لتغيب روح الأسرة ويتبقى منها ما يشبهها فى تجمع أجوف ليس له علاقة بالتجمع سوى الشكل، حتى اننا أحيانًا نجتمع ولا ننطق كلمة واحدة وإن تكلمنا يكون كلامنا غير مركز ومتقطع وكأن حياتنا تحولت للحياة داخل هذا الجهاز الذى بين أيدينا، حتى أن بعضنا قد فقد سبل وطرق التعامل مع الآخرين داخل المنزل وخارجه وأصبح عالمه الإفتراضى عبر وسائل التواصل الإجتماعى هو عالمه الوحيد والأوحد يعيش فيه ولا يُبالى بآخرين وإن كثروا حوله، نجد بعض أطفالنا يخرجون للتنزه حاملين أجهزتهم المحمولة للهو بها رافضين تركها للهو الذى يخرج طاقاتهم متمسكين بألعاب إلكترونية فى أحيان كثيرة غير مناسبة لهم.
وأثبتت الدراسات الحديثة أن الألعاب الإلكترونية تقوم باضعاف شخصية الطفل وتجعله يعاني من غياب الهوية نتيجة تعرضه للعديد من الأفكار والمعتقدات والثقافات الغريبة على المجتمع كما يتعرض الطفل إلي متلازمة الإنهاك المعلوماتي بسبب كثرة المعلومات التي يتعرض لها وعدم قدرته على التأكد من صحتها، ناهيك عن إمكانية تعرضه لمشاهدة الصور والأفلام التي تروج للعنف على الإنترنت والافلام الإباحية، وأكدت هذة الدراسات أن ساعتان فقط هو الحد الأقصى المسموح للطفل على الإنترنت.
ولابد من وقفة لنا هنا فما بين الوسائل الحديثة التى ساعدتنا على أشياء إيجابية عددنها وبين نفس هذة الوسائل التى باعدت بيننا كأسر وعائلات وأصدقاء وخلقت فى أطفالنا كسالى لا يريدون حتى التنزه، لابد أن نتوقف فورًا لنتدبر كيف نستخدم هذة الوسائل وهل هذة الطريقة التى نستخدمها بها هى الصحيحة وهل هذة الوسائل جُعلت لضياع وقتنا حتى فى الإستمتاع وهل أصبحت متعنتا الوحيدة فى حبس أنفسنا خلف شاشة صغرت أو كبرت، وهل وهل وهل ...، عدة أسألة أطرحها عليك عزيزى القارئ كى نراجع أنفسنا فورًا فى كيفية السماح لأنفسنا قبل أولادنا وأسرنا وعائلاتنا فى إستخدام هذة التكنولوجيا الحديثة التى لا أحد يُنكر أننا نستخدمها بشكل مُيالغ فيه نحو اللاشئ واللا إستفادة، ورغم أنها مفيدة ومفيدة جدًا فى مواضع إلا أن الإفراط فيها وعدم السيطرة وإحكام عدد ساعات إستخدامها أوصلنا أن تكون بدلًا من وسائل تواصل إجتماعى أصبحت وسائل تباعد إجتماعى بل وأحيانًا وسائل تدنى أخلاقى.
ودعونى هنا من خلال هذة السطور أطرح على حضراتكم فكرة أتمنى أن نحاول تنفيذها لعلنا نضع الأمور فى نصابها قبل فوات الأوان وكى نُعلم أبنائنا والمسؤلين منا أن لكل مقامٍ مقال، وأن الجهاز الذى بين يدك ليس هو الحياة فقط فهناك أشياء أخرى بل وواجبات أخرى مطلوبة من كلٍ منا وعلينا تنفيذها، وأولها أن نتواصل نحن كأفراد تواصل مباشر بعيدًا عن العالم الإفتراضى يمكننا ان نعززها بهذة الوسائل كالمجموعات بمختلف البرامج المتاحة للاسرة والعائلة والأصدقاء حال الرغبة فى نقاش سريع ووقتى أو تحديد موعد للقاء، لكن يبقى اللقاء هو الأهم، لقاء نترك فيه كل أنواع التوكنولوجيا الحديثة ونتحدث فيه وجهًا لوجه نناقش فيه أمور حياتنا بشكل طبيعى دون أى نظرة ولو سريعة فى تلك الأجهزة.
دعوتى أن يكون هناك لقاء يومى بين أفراد الأسرة الواحدة نغلق فيه جميعًا كل وسائل التواصل وجميع الأجهزة المحمولة وغير مسموح فيه بتواجد هذة الأجهزة لقاء نتحدث فيه عن أنفسنا ونناقش فيه أمور حياتنا، ويوم فى الإسبوع نعطى أنفسنا أجازة من برامج التواصل الإجتماعى يوم بلا برامج من مهلكات الوقت والعلاقات يوم بلا ألعاب ترفيهية ترفيهًا لعقولنا، يوم نتجمع فيه لنتعامل فيه بطريقة مباشرة مع كل شئ دون تدخل إلكترونى، يوم نتنزه فيه ونتحدث فيه دون ان يدخل كل واحد فينا فى جهازه المحمول مُضيع أهم ما فى التنزه وهو الصحبة، وكذلك يومًا بلا أجهزة ولا برامج مع الأصدقاء، دعونا نحدد فيما بيننا أيامًا نتواصل فيها يكون شعارنا في هذا اليوم يومًا للتواصل الفعلي لا للتواصل الإلكتروني تواصل حقيقي بيننا لا بين اجهزتنا المحمولة نرفض فيه جميعًا اي وسائل مساعدة نتواصل وجهًا لوجه نتحدث ونتناقش ونطرح كل امورنا دون اي وسائل إضافية غير تعزيزًا لهذة اللقاءات التي اصبحنا نفتقدها.
عزيزي القارئ إن تأثير التكنولوجيا على المجتمع هو تأثير قوي سواء كان ايجابيًا أم سلبيًا ولكنه افقدنا سحر الإحساس بالجهد والإنجاز فهنالك نوع معين من تحقيق الأمور بعد السعي اليها لم يعد له قيمة لانه من الممكن الحصول عليه ببضعة نقرات على جهازك نحن نتمتع بكل الكماليات على حساب الافراح الحقيقية الواقعية لذلك فدعوتى أن نعود للواقعية ونترك العالم الإفتراضى فى العلاقات الإنسانية.