فجعني الموت في نهاية الإسبوع الماضي وسلبني أحد أبرز وأهم أقاربي أبي الأصغر وأخي الأكبر الناصح الأمين المراقب الحكيم الدافع للنجاح المقاوم للفشل اللاحق حين التعثر والصارخ فرحًا حين النجاح وأكثر الدافعين للحفاظ علي التقدم في الحياة شخص ينصحني بطريقة غير الجميع يُفخم من شخصي الضعيف أمام الجميع وما أن يختلي بي حتي يذكرني بالصغيرة قبل الكبيرة وينصحني بكل ود ويعنفني بكل حب ويوبخني بكل حنان مات من لم أسمعه ينادي بأسمي إلا أمام الناس وغالبًا متبوع بكلمة بك أما بيني وبينه فكنت سمسم وربما سمسوم وأحيانًا أُسب وأُلعن وكلي فرح فهو دائما السؤال وأنا دائم الإنشغال وفي كل المناسبات هو الحاضر الأول والسائل قبل الكل صائحًا هل دبرت أغراضك هل انتهيت من أعمالك كيف حال تقي ماذا عن تسبيح وحسام الصغير (يقصد معز ابني الأصغر) كيف حاله، زوجتك صالحة اعتني بها هكذا كان وهكذا كانت علاقتي بحبيبي الراحل خالي اللواء مهندس عبدالله عبد الخالق المصري، الذي رحل عقب رحلة أخيرة قصيرة مع المرض ليخلف عندي فراغ لا يستطيع أحد أن يملؤه ويُكسر لي جدارًا عتيًا وحائطًا متنينًا طالما احتميت به، أُناديه بـ يا حاج فيجيب حاج إيه ياد فأقول يا عبد الله فيسبني فأقول له يا خالو بملأ الفم والقلب فأشعر ابتسامته قبل أن أراها فقد كان ونعم الخال وتحقق فيه مثل الخال والد بحق، فجعني موتك يا حبيبي لأنك حبيبي حقًا فقد كنت سري وكنت أنا كاتم أسرارك عزائي انك في مكان أفضل وبفضل الله ستكون في مكانة تستحقها بفضل الله ثم بعملك الصالح فيكفي شهادة أهل مسجدك فيك ولك يوم الجنازة.
ولخالي العزيز الغالي الراحل معي حكايات وصولات وجولات فقد وعيت الدنيا وهو ضابطًا بالقوات المسلحة تحدثت معه في كل مراحل عمري وخرجت معه في كل الاماكن الذي يذهب إليها فها نحن في الاسكندرية بشاطئ القوات المسلحة وها نحن بملاهي المعمورة وها نحن بأفراح وأطراح ومآتم كل المناسبات جمعتنا حتي ولادات أبنائه كنت معه فيها كان هو من الاخوة المقربين لأمي عليهما رحمة الله وكنت أنا أقرب الصغار لقلبه كان يحترم عقلي حتي في صغري ورأيي هام له ويُطلعني علي ما لا يُطلع عليه أحد أحفظ حكايات شبابه وصباه التي لم أحضرها عن ظهر قلب وأعرف كل أصدقائه القدامي حتي حيله التي نبه بها أصدقائه من آخرين حكي لي وقربني منه علي مدار عمره كنت أشعر أنه لن يرحل حتي انني نادرًا ما تخيلت أنه سيتركني فجأة ففي مرات مرضه كنت أُسارع بزيارته وكان يخرج بعدها منها بكل قوة كنت لا أحب أن اراه مريضًا وهو كان يكره المرض ويكره ان يراه أحد ضعيفًا كان سريع البكاء رغم تظاهره بالقوة قلبه يشبه قلبي والصحيح ان قلبي الذي يشبه قلبه يُظهر للجميع قوته وهو من الداخل يتمني أن يربط علي كتفه أحد ليرتمي في حضنه باكيًا كان علي سحائب رحمات ربي مخططًا بارعًا قارئًا للمشاهد عاشقًا لأسرته ووطنه ترك جمهورية زفتي إلي قاهرة المعز في منتصف التسعينات بعد أن خاض تجربة اخوتي عمرو ونورا في زفتي ليخوض تجربة أحمد ونورهان في مدينة نصر لينتهي به المطاف هناك في الزحام ويموت أبي الأصغر في قاهرة المعز ويُدفن هناك وتُدفن معه ذكريات لا تُنسي لشخصية لن تتكرر وأب لا يعوضه الزمان رجل إعتاد تخطيط كل شيء ومتابعة كل شيء وسماح ومسامحة كل الناس وحب الجميع كان خلافي الوحيد معه زملكاويته وأهلاويتي ورغم ذلك كان يحترم أهلاويتي المتعصبة المغرورة ويتحمل تنمري علي زملكاويته ولا مانع من توبيخي إذا لزم الأمر.
في وفاة والدتي ووالدي كان كالسهم أول الحضور بل وكان أهم الحضور حريص علي كل شيء متابعًا دقيقًا لكل الأمور هل انهيت الاتفافات علي تعاقدت علي الاشياء هل أعددت الطعام من سيبيت هنا ومن سيبيت هناك؟، لا مجال لشيء لا يراجعني فيه ولا مجال لتركي وعدم دعمي فكل الامور تؤدي إليّ ولي تجده داخلها نعم فقد أب بمعني الكلمة ففي يوم زواجي بالطبع كان أول الحضور وأكبر الناصحين المتهكمين أحيانًا الناقدين ولكن بكل حب عندما أُتيحت له الفرصة للمبيت في مكان غير منزله كان في منزلي وكنت أكاد أطير من الفرح لإستضافته فهو الحبيب من ريحة الحبايب أخو أغلي الناس أمي وحبيب الغالي أبي فـ عبد الله كان حبيب الكل حتي وإن إختلف أو أخطأ ما إن تحدثت معه حتي إعترف وبكي وطلب السماح حتي وإن لم يكن مخطئ كان خالي عبد الله أحد أهم أسلحتي في مواجهة الحياة أحد من كنت أتصل عليه لنحكي أو انتظر إتصاله لنروي فما كان لأحد أن يسألني عن قيمة راتبي سواه وكيف أقسمه بين نواحي الحياة ولماذ تركت هذا العمل وعملت بآخر ولماذا كتبت هذا الموضوع ولماذا لم تتطرق لذاك الموضوع خالو عبد الله كان مرآة وضعها الله لي في الأرض يريني حلوي حين يراني الجميع بغيض ويريني قبحي حين يراني الجميع جميل كنت انتظر مكالمته لألمح له عن أشياء فيفهم ويُكمل ويا ويلي لو كان هناك أمر علمه عني وليس مني.
لا أجد كلمات تليق أكتبها عن رحيل خالو عبد الله فكل الكلمات تأبي أن تصف لوعة قلبي وكسرة نفسي وحزن روحي ووجعي فقد عشت مرارة فقد الأب من جديد خاصة وقد خُطف مني هذه المرة دون وقت كاف فالمرض هذه المرة لم يُمهلنا حتي الوداع وكان القدر المحتوم وبعد ما علمت الحالة وتفاصيلها كرهت إستقبال أي مكالمة قد تخبرني الخبر المنتظر المحتوم حتي آتاني الخبر في عصر الاربعاء الماضي يخبرني بإنتهاء الأجل وصعود روحه الطاهرة إلي بارئها وبتجرعي مرارة الحزن والفراق علي فقدان هذا الغالي الذي كان يظهر غليظ وبداخله اللين صلب بداخله الحنان قوي بداخله الضعف شديد بباطنه كل أنواع الرحمة فقد يرسل لي أموالًا لتخرج في سبيل الله فيطلب مني البحث عن أهل شارعه القديم وابنائهم وأحفادهم وكل من له علاقة بهم وفي كل مناسبة يطلب مني المرور علي الجميع وتوصيل أمانته والاطمئنان علي صحتهم وإخباره بتفاصيل حياتهم وهل منهم من لديه مرض او محنة أو مُقبل علي زواج ليساعده من جديد كان قلبه في القاهرة وعقله في بلدته مدينة زفتي بمحافظة الغربية.
عزيزي القارئ الكريم كم من رجال يعيشون بيننا بهذه الصفات فإحذر عزيز القارئ أن يكون لديك مثل هذا الرجل وانت لا تعلم وتفقده دون أن تستمتع بوجوده وتخسر رجل لن يجود الزمان بمثله أبدًا أحمد الله ان خالي الغالي توفي وهو راضٍ عني وهو يحبني بنفس القدر بل أكثر منذ يوم لقائي به وأحمد الله انني كنت مصدر ثقته ومأمن وموضع سره ومحط تقديره ورعايته وأسأل الله أن يجمعني به وكل الأهل والأحبة وكل من له حقًا علينا في جنات النعيم علي الحوض مع المصطفي الكريم نبه محمد وأن يجعل خالي عبد الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأن يجعل كل أعماله الصالحة طوال عمره في موازين اعماله اللهم آمين يارب العالمين.
إلي جنة الخلد يا حبيبي