رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
الأخبار العاجلة :
  1. الرئيسية
  2. تحقيقات وتقارير

قانون الإيجار الجديد بين التطلعات والمخاوف نهاية لخلفية تاريخية في مصر

 

شهدت العلاقة بين المالك والمستأجر في مصر تحولات كبيرة منذ خمسينيات القرن الماضي، حينما فرضت الدولة قوانين استثنائية لضبط الإيجارات وحماية المستأجرين من ارتفاع الأسعار. فقد جاء قانون الإيجار القديم ليجمد القيمة الإيجارية لسنوات طويلة، مما أدى إلى بقاء آلاف الوحدات السكنية والتجارية بأسعار زهيدة لا تتناسب مع التضخم أو تكاليف الصيانة.

 

أولًا: إيجاد حلول تدريجية تراعي البعد الاجتماعي


وبمرور العقود، تزايدت الانتقادات لهذه القوانين باعتبارها أخلّت بالتوازن بين حقوق المالك والمستأجر، حيث فقد الملاك القدرة على استغلال عقاراتهم أو الحصول على مقابل عادل، بينما تمتع المستأجرون باستقرار طويل المدى وقيمة إيجارية شبه ثابتة، هذه الفجوة خلقت أزمة ممتدة في سوق العقارات المصري، دفعت الحكومات المتعاقبة إلى محاولة إيجاد حلول تدريجية تراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي في آن واحد.

ثانيًا: أبرز ملامح القانون الجديد

القانون الجديد جاء ليضع إطارًا أكثر عدلًا بين الطرفين، حيث نص على:

إعادة تقييم القيم الإيجارية وفق أسعار السوق الحالية مع مراعاة البعد الاجتماعي.

إلزام المستأجرين بسداد فروق الزيادة الناتجة عن إعادة التقييم فور إعلانها من المحافظ المختص، مع إمكانية التقسيط على فترة التعاقد.

وضع فترة انتقالية تسمح للأسر والأفراد بتوفيق أوضاعهم قبل تطبيق الزيادات بشكل كامل.

تحرير العلاقة الإيجارية تدريجيًا في الوحدات غير السكنية والتجارية، ما يفتح المجال أمام استغلال أفضل للثروة العقارية.

تأكيد حق المالك في استرداد الوحدة حال ثبوت عدم استخدامها أو تأجيرها من الباطن بالمخالفة للعقد.

ثالثًا: آراء المواطنين بين مؤيد ومعارض

تباينت ردود الأفعال في الشارع المصري حول القانون:

فئة من الملاك رحبت بالقانون باعتباره "خطوة طال انتظارها"، إذ يمنحهم عائدًا عادلًا يساعدهم على صيانة العقارات، بدلًا من تجميدها بقيم رمزية.

على الجانب الآخر، عبر عدد من المستأجرين عن قلقهم، خصوصًا الأسر البسيطة وكبار السن الذين اعتادوا دفع إيجارات منخفضة لعقود، مؤكدين أن الزيادات قد تثقل كاهلهم في ظل الظروف الاقتصادية.

بعض المواطنين يرون أن القانون الجديد قد يشعل أسعار الإيجارات الحرة في السوق، ما يفرض تحديات إضافية أمام الشباب المقبلين على الزواج.

رابعًا: رؤية الخبراء والمتخصصين

يرى خبراء العقار أن القانون الجديد بمثابة محاولة لإصلاح "خلل تاريخي"، لكن نجاحه مرهون بآليات التنفيذ، ومنها:

ضرورة وجود قاعدة بيانات دقيقة لتحديد القيمة العادلة للإيجار حسب الموقع والمساحة والخدمات.

أهمية أن تتدخل الدولة ببرامج دعم أو إعانات للفئات غير القادرة، حتى لا يتحول الإصلاح الاقتصادي إلى عبء اجتماعي.

توقعات بأن يؤدي تحرير الوحدات المغلقة أو المهجورة إلى زيادة المعروض في السوق العقارية، وهو ما قد يوازن الأسعار على المدى البعيد.

تحذيرات من أن عدم وجود رقابة صارمة قد يفتح الباب أمام استغلال بعض الملاك ورفع الأسعار بصورة مبالغ فيها.

خامسًا: السيناريوهات المستقبلية

يتوقع المراقبون عدة سيناريوهات محتملة بعد تطبيق القانون:

سيناريو إيجابي: زيادة المعروض من الوحدات بعد تحريرها، ما يساهم في استقرار أسعار الإيجار والبيع، مع شعور المالك بالعدالة في المقابل المادي.

سيناريو ضاغط: ارتفاع الأعباء على المستأجرين محدودي الدخل، ما قد يضطر البعض إلى النزوح لمناطق أقل تكلفة أو الاعتماد على الدعم الحكومي.

سيناريو متوازن: نجاح الدولة في ضبط السوق عبر آليات رقابية ودعم اجتماعي، بما يحقق العدالة بين الطرفين ويعيد الحيوية إلى سوق العقارات.

 

آلية التصنيف وتحديد القيم الجديدة

ينص القانون على تشكيل لجان محلية بالمحافظات تتولى مهمة حصر العقارات القديمة وتصنيفها وفق 3 فئات رئيسية:

  • المناطق المتميزة: رفع الإيجار إلى 20 ضعف القيمة القديمة، أو بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا.

  • المناطق المتوسطة: زيادة 10 أضعاف، بحد أدنى 400 جنيه.

  • المناطق الاقتصادية: زيادة 10 أضعاف، بحد أدنى 250 جنيه.

وحتى انتهاء الحصر النهائي، يُعمل بإيجار مؤقت قيمته 250 جنيهًا للوحدة، إلى أن تعلن النتائج الرسمية.

زيادات تدريجية وتسهيلات للمستأجرين

لا يقتصر القانون على رفع القيمة الإيجارية فقط، بل يقر أيضًا:

  • زيادة سنوية تراكمية بنسبة 15% تطبق تلقائيًا على العقود الجديدة.

  • إتاحة تقسيط فروق الإيجار الناتجة عن إعادة التقييم، تخفيفًا على المستأجرين.

  • تشكيل لجان تظلمات لمنح المستأجر حق الاعتراض في الحالات الاستثنائية.

  • حماية كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر محدودة الدخل من الإخلاء المفاجئ.

مدد انتقالية قبل الإخلاء النهائي

حدد القانون فترات انتقالية لتوفيق الأوضاع:

  • 7 سنوات للوحدات السكنية.

  • 5 سنوات للوحدات غير السكنية (المحلات – المكاتب – الشركات).

بعد انتهاء هذه المدد، يتم العمل بقانون العقود المدنية الجديدة، ليصبح سوق الإيجارات خاضعًا لقواعد العرض والطلب.

آلية تطبيق الزيادات في الإيجارات وأسعار العقارات بعد دخول القانون حيز التنفيذ

مع بدء تطبيق قانون الإيجار الجديد، بدأت ملامح آلية الزيادات في أسعار تأجير العقارات تتضح بشكل تدريجي، خاصة في المدن الكبرى مثل القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، والدلتا. تقوم هذه الآلية على إعادة تقييم القيمة الإيجارية للوحدات السكنية والتجارية طبقًا للأسعار السوقية السائدة في كل منطقة، وذلك من خلال لجان مشكلة من خبراء المثمنين العقاريين، وممثلي الأجهزة المحلية، ووزارة الإسكان، وتعمل هذه اللجان على دراسة مستوى الطلب في كل حي، والبنية التحتية المتاحة، ومدى توافر الخدمات، لتحديد القيمة العادلة التي ستصبح الأساس في العقود الجديدة أو العقود التي ستُجدد بعد انتهاء المدد القديمة.

وبالنسبة للفئات المستهدفة، فقد فرّق القانون بين الوحدات السكنية القديمة التي يشغلها مستأجرون منذ عقود طويلة، والوحدات التجارية والإدارية التي تمثل مصدر دخل لأصحابها. ففي حين سمح القانون بزيادة تدريجية على العقود السكنية القديمة تصل إلى نسب محددة سنويًا، فإن العقود التجارية شهدت قفزات أكبر لتقترب من القيمة السوقية خلال فترة انتقالية قصيرة نسبيًا. هذا التدرج يهدف إلى حماية المستأجرين محدودي الدخل من صدمة ارتفاع الأسعار المفاجئة، وفي الوقت نفسه يعيد التوازن المفقود بين حقوق المالك والمستأجر.

 نقطة تحول في مسار العلاقة بين المالك والمستأجر

قانون الإيجار الجديد يمثل نقطة تحول في مسار العلاقة بين المالك والمستأجر بمصر، فهو محاولة لكسر الجمود الممتد لعقود طويلة، وتحقيق توازن اقتصادي طال انتظاره. إلا أن نجاح هذه الخطوة يعتمد بشكل أساسي على المرونة في التطبيق، والقدرة على حماية الفئات الأكثر ضعفًا، مع توفير بدائل عملية لتخفيف الأعباء. وبينما يترقب الشارع المصري نتائجه على أرض الواقع، يظل القانون ملفًا مفتوحًا يحمل بين طياته آمالًا وتحديات في آن واحد.

أما عن أسعار الإيجارات الفعلية في السوق، فقد سجلت بعض المناطق بالفعل زيادات تراوحت بين 20 و40% منذ الإعلان عن دخول القانون حيز التنفيذ، خاصة في الأحياء الحيوية القريبة من الجامعات، أو الأسواق التجارية الكبرى، أو المراكز الإدارية، بينما في القرى والمناطق النائية ظل التأثير محدودًا نتيجة وفرة المعروض وقلة الطلب النسبي.

ويرى خبراء أن الفترة القادمة ستشهد تباينًا واسعًا في الأسعار، وفق معايير دقيقة تشمل موقع العقار، عمر المبنى، مستوى التشطيب، ودرجة الإقبال على المنطقة، وهو ما يعني أن تطبيق القانون لن يكون زيادة موحدة، بل حركة مرنة تتكيف مع خصوصية كل سوق محلي.