علي مدار الاسابيع الماضية وأنا أتابع نتيجة الثانوية العامة ومن ثم التنسيق وفهلوته وحساباته المعقدة ما بين مرحلة أولي وثانية وثالثة ، ورأيت دموع طلاب وذويهم وأولياء أمورهم علي فرص ضائعة وحظ عثر وعناء ضاع في مهب الرياح بين الامتحانات وصعوبتها والنتيجة ومفاجأتها والتنسيق ومسائله المعقدة التي رمت بابن الغربية في أدغال الصعيد وبابن الإسكندرية في غياهب الإسماعيلية وبالبنوتة البريئة بنت الريف التي لم تخرج من قريتها الجميلة منذ ميلادها إلي دمياط وببنت دمياط إلي الوادي الجديد ، ولم أعرف اي دعوة قبلت ضد هؤلاء الطلاب الغلابة واي عناء سيلقاه أولياء أمورهم واي كارثة إدارية سيلقونها إذا لجئوا لفكرة تقليل التغريب ولم نجد لهم ملجأ ولا مناص إلا الله لهم الله هم وذويهم
وسط هذه الحيرة بعض الطلاب عرفوا طريقهم مباشر في الجامعات الخاصة وبعضهم الآخر في الجامعات الأهلية التي تجاوزت مصروفات كلياتها المئة ألف جنيها في العام الواحد ، طيب والغلابة الذين لم يحالفهم الحظ؟ ما زالوا في غياهب التنسيق ودورته الطويلة والمملة التي جعلت من طالب كان يقال له يا دكتور من كثرة اجتهاده في الثانوية أن يرضخ لمعهد فني تمريض بحلوان ولا حول ولا قوة الا بالله
تذكرت نشأتنا وتربيتنا الريفية في بيئة أزهرية ومناخ علمي قل أن يجود الزمان بمثله وكنا رغم حداثتنا دائما ما نردد
أنا بن الأزهر الحاني أنا الإسلام رباني
أنا من جئت للدنيا لأرفع شأن أوطاني
كم كان الأزهر حنون علينا منذ طفولتنا حتي تخرجنا وصرنا في دهاليز الزمن وقربنا من خريفه ، ونحن نستقبل الشعر الابيض علي جانبي الراس محيطا بالأذن بعد أن زحف الصلع حتي منتصف الراس، كان الأزهر حنونا علينا ونحن تلاميذ كالغنم حول اقدام أبويا الشيخ محمود الحارون ، وأبويا الشيخ علي بركات وابويا الشيخ التهامي عوض ، وابويا الشيخ ابو الحسن وابويا الشيخ محمود الشربيني وابويا الشيخ كساب ، كنا مشاريع علماء علي يد اسيادنا الكرام وما زالوا اسيادنا المرحوم عبد الوهاب زيادة ، وعلي البغدادي ونبيه صيام ونبيل باشا والحبشي ومحمد الكيلاني وعيد خليل والمرحوم عبد الفتاح الخولي وغيرهم الكثير ممن بذل واجتهد وصار علي درب الشيوخ .
واصلوا مسيرتهم الحسنة حتي سلمونا طلابا في جامعة الازهر نرتع بين دروبها ونشرب من مياه علمها وننهل من صافي معارفها ونفخر بتاريخها .
وسط ما أنا مهموم به من معاناة الطلاب في الثانوية ، ساقتني قدماي من حظي إلي زيارة جامعة الأزهر بالقاهرة في مهمة عمل سريعة ، وهي التي تخرجت منها منذ أكثر من عشرون عاما لأتفحص وجوه كل من يقابلني فيها، كأن لي معهم عشرة وعشم وعيش وملح وفطار وغداء ووجبة ساخنة ، ولعب في ملاعب المدينة ، تجولت بسيارتي عبر طرقات الجامعة وكلياتها وهي التي كنت أطوفها سيرا علي قدمي بسبب قلة ذات اليد وقتها فكنا نسير من مدخل كلية اللغات مرورا بالتجارة والهندسة والطب والعلوم والتجارة والدعوة والصيدلة فكان لنا في كل كلية أكثر من صديق ، وصولا لمدخل كلية الزراعة الخلفي بعد أن نتجاوز الجبلاية الفاصلة بين كليات البنين وكليات البنات ، تعمدت أن أدخل حتي باب كلية الطب بنات ومنها إلي كلية الدراسات أتفحص الوجوه وكأنني جئت لأول مرة لأجتاز اختبار القدرات بين اللغات يوم أن جاءت بطاقة ترشيحي مكتوب فيها كلية اللغات والترجمة بالقاهرة
كنا وقتها نشتاق لأضواء المدنية ونخاف أن نكون هذا الفتي القروي الساذج الذي خر مغشيا عليه، ولكن هي القاهرة كما قيل فيها قهرتنا حبا وعشقا وهياما وإلهاما وعلما وعملا وصنعا
عشقناها إخلاص , وإعْزَازا ,و إِخاءا , وتَلَطُّفا , وتَوَلُّها , وجَوًى , عشنا فيها ويدنا مغلولة شَغَفا، و صَبابَة وصَبْوا ، عشقناها مَحَبَّة , ومَعَزَّة , ومَوَدَّة , وهُيام , ووَجْد
بكيت حينما سألت عن قسم الفرنساوي فلم أجده ووجدت بديلا عنه مكتب لأعضاء هيئة التدريس ، ناديت علي أشرف وعصام العجمي وأحمد الغنيمي والجمال ، وبحثت عن ياسر وانغتيا سليمان واترا ابن جزر القمر ، والمايسترو محمد عشاق ياسين التهامي وسامح الجمل ومحمد تراب قلم يجبني أحد، وليد الطاهر والشيخ اسماعيل الشيخ ، سالت الأمن عن عم مشحوط ساقينا الشاي أبلغوني أنه مات ، دخلت شئون لطلاب فوجدتها مكاتب مكيفة وكل قسم كتب عليه لافتة استدلالية ، ويا هول ما رايت اسانسير في الكلية ، حقا والله هناك اسانسير في الكلية ، ألهذا البذخ وصل الأمر بجامعة الأزهر
ذهبت لملعب اللغات وجدته خاليا من الطلاب ، ووجدت كليات جدد استحدثتها الجامعة قسم الصحافة باللغة العربية أصبح كلية الإعلام وشعبة التربية الرياضية اصبحت كلية ، وكلية للتمريض بجوار المخيم الدائم .
ما زالت جامعة الأزهر ولادة وفاتنة وبحر علم لا ينضب وتاريخ مشرف ومنارة القلوب وتظل جامعة الزهر أشبه بتلك الشمس التي تضيء النور لكل ما حولها
خرجت من باب الجامعة وانا اقارن بين حضن الام في الأزهر وحضن زوجة الاب في الثانوية العامة و أدندن
أنا بن الأزهر الحاني أنا الإسلام رباني
أنا من جئت للدنيا لأرفع شأن أوطاني
كتاب الله أحمله ولا أرضى به ثاني
وهدي محمد يسري يهذب فيا وجدانى
درست العلم والأدب وفقه الشرع قواني
علوم الدين والدنيا تعانقني وتهواني
هوان العرب أرقني وبأس الغرب آذاني
وصمت القوم آلمني وجرح العز أدمانى
دياري يالـ غربتها وقلبي مثقل عاني
وجامعتي لها سبق من الآفاق أعلاني
تصدع صرح عزتها ولكني أنا الباني
أنا شمس أنا قمر أنا قطف الهدى الداني
أنا سيف أنا قلم أنا ري لظمئان
ربوع العلم تعرفني وفي المحراب تلقاني
ويوم الحرب عاصفة تدمر ما بنى الجاني
أنا ابن الأزهر الحاني أنا الإسلام رباني
أنا من جئت للدنيا لأرفع شأن اوطاني