( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) جاءت هذه الآية الكريمة في فرعون الذي ناصَبَ موسى عليه السلام العَدَاء ، وقِيل في الأمثال ( يا فرعون من فَرْعَنَك؟ قال: لم أجد من يَرُدَني ) وفرعون هذا الزمن أو من إِعْتَقَدَ في نفسه ذلك ، هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، الذي إِسْتَجْهَلَ العرب وإِسْتَخَفَ بعقولهم وإسْتَفَزَهم بتهديده ، فخرج علينا بأضغاثِ أحلامه ، محاولاً فرض واقع لا يقبله عقل أو دين ، بل ولا يتوافق مع القوانين الدولية ، بأن قرَّرَ طرد سكان غزَّة الى مصر والأردن ، وإستَخَفَهُم بأن غزَّة ستكون ريفييرا الشرق ، وهدَّدَهم بإرسال قوات أمريكية الى غزَّة .
وهنا أرى من وجهة نظري البسيطة ولستُ عالمةً ببواطن الأمور ، أن إسرائيل لن تتوقف عن الهجوم على الأراضي الفلسطينية ، وسوف تَضْرب الضَفَّة الغربية كما كان في غزَّة ، ثمَّ تُلحقها بضربات على غزَّة ، ومع إغلاق مصر والأردن الحدود ، فلن يجد الفلسطينيون سوا الخروج الى سوريا التي أُعِدَّت ومُهِدَّت لذلك ، فهذا الجولاني رسول الشيطان والغرب الى سوريا ، نفَّذَ الخُطَّة كاملةً فقام بتفكيك الجيش ، وإلغاء كافة المؤسسات الأمنيَّة والأحزاب ، إن هذا الترامب يعلم أن قراره سَيُوَاجَه بالرفض ، لكنه طلب شيء عظيم ، حتى اذا ما فُتِحَت الحدود السورية يَصْمُت الجميع.
قلتُ في مقال سابق أن على العرب والمجتمع الدولي وفور وقف إطلاق النار ، تأمين قطاع غزَّة وأن يكون تحت حكم السلطة الفلسطينية ، والعمل سريعا على حل الدولتين لإيقاف مخططات إسرائيل وترامب ، و أن يستغلّْ العرب هذا الرفض الدولي لقرار ترامب ، وتأكيدهم على ضرورة تقرير مصير الشعب الفلسطيني داخل أرضه ، وتهديد ترامب بإرسال قوات أمريكية الى غزَّة ربَّما يحدث ، لكنه رجل إقتصاد وليس رجل حرب ، ويعلم أن الحرب تكلفتها ستكون باهظة ، ولا أظنُّه سَيُفَكِّر في إشعال حرب تكون أمريكا طرفاً مباشراً فيها ، وإلا ستكون هي الحرب الأخيرة ، وأقول الآن أن الله عَزَّ وجَلَّ مَنَح العرب فرصاً عديده لإعلاء كلمة الحق ، ولازال لديهم ربَّما فرصةً أخيره ، فإذا ما ضاعت ، حينها حتى البكاء لن يَعُدْ يُجْدي نفعاً .
فإذا كان قرار ترامب جاء مخالفاً القانون والشرعية الدوليين وقرارات مجلس الأمن، فإن ترامب يتجاهل كل هذا ، لذا على الدول العربية أن تتخذ إجراءات عقابية ، وخطوات دبلوماسية تعكس حالة الرفض وخطورة هذا القرار ، فإذا أوقف ترامب المعونة الممنوحة لمصر والأردن ، وفرض سيطرته على صندوق النقد يجب أن يواجهه ردٌ عربي ، فتتوقف المملكة السعودية عن منح ترامب أموالها ، والتلويح بمنح تلك الأموال للدولتين ، أو إقراضها لهما بديلاً عن صندوق النقد ، وتَتَمَسَّك مصر بموقفها في أن موقف ترامب عاقِبَتَه إلغاء إتفاقيَّة كامب ديفيد ، والضغط العربي بكل ما لديهم من أوراق غاز ونفط بما يّؤَثِّر سلباً على الغرب الذي يعاني نقص في الطاقة ، ويُجْمِع العرب ومعهم الدول التي تستفزَّها أمريكا شرقاً وغرباً ، على التَّوقُّف التَّام عن إستيراد المنتجات الأمريكية بدايةً من الأسلحة ، والتوجُّه نحو التعاون الكامل مع الصين وروسيا .
يجب أن يُوَاجَه ترامب غباءً بِتَغَابي ، وجهلاً بإِسْتِجْهالِ ، وإستفزازاً بإستفزازٍ ، وأن يكونوا كما قال رب العِزَّة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) فهل سيعُدُّوا لهم ما إستطاعوا؟ وهل سَيَهْتَدوا؟ أرجو ألا يُخِيفَهم التهديد الأجوف ، فهذا يومهم الذي يُوعَدُون ، وإلا فإنَّها حقا النهاية التي يَتَعَجَلها بنو صهيون ، وأترحم على جمال عبد الناصر والشيخ زايد وصدَّام حسين والملك فيصل ، وأخيراً مالي لم أَعُد أسمع ضجيجاً أو نعيراً لإيران ! وأين أصبح دفاعها عن القضية ؟ بل وأين من قالوا أنها التي ستحرر القدس بعد تخاذل العرب ؟!.