رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

ناصر أبو طاحون يكتب عن: طيارة الرش

إمتلأت رؤوسنا الصغير بعشرات القصص و الحكايات عن ذلك الطيار الروسي الذي يقود طيارة الرش بتلك البراعة و يستطيع التمييز بين حقول القطن و غيرها من حقول الأرز  أو الذرة
و عن صعوده و هبوطه بسلاسة منقطة النظير ، و كيف يفتح الرشاشات مع النزول بالضبط فتغرق "الجُرة" التي يسير عليها بالرذاذ المسموم  فيقضي علي الدودة اللعينة التي كانت تسابق الفلاحين في التهام محاصيلهم، وعندما يصل الطيار  لنهاية الحوض و  تقترب صفوف الاشجار الباسقة من الطائرة نراه يصعد و قد أغلق الرشاشات تماما فينقطع الرذاذ

كان شغفنا يزداد كل يوم بالطائرة و الطيار ، ذلك الروسي الذي صنعت منه القصص شخصا أسطوريا عملاقا يصارع سبعة رجال و يصرعهم، رأسه بحجم "زلعة المياه"، و جسده الأحمر المفتول  يستعرض به و هو يقود الطائرة شبه عاري سوى من الشورت

كانت رؤوسنا الصغيرة تري أن طائرة بهذا الحجم تحتاج بطلا قويا يقودها، وكأنه هو الذي يحملها على أكتافه و ليست هي التي تحمله، و  اغلقنا عقولنا عن أن هناك ازرار  يضغط عليها فتستجيب الطائرة لأوامره

و عندما وصل الشغف بنا منتهاه قررنا أن نقوم برحلة إلي المطار لكي نرى الطائرة و الطيار على الطبيعة، فلربما صادفناه و هو يصارع مشرف الجمعية الزراعية  و هم يختلفان حول كميات المبيدات و نسبتها الى المياه

أما كيف قررنا و نحن مجرد "شوية عيال" لم يتجاوز أكبرنا 11 سنة "فموش عارف أجيبهالك إزاي"
فلا نملك أي أموال و لا مقدرة لدينا لمصارحة أحد بعزمنا على تلك المغامرة و إلا فأقل الأضرار التي ستلحق بنا ان الرحلة لن تتم 

المهم في يوم قائظ من شهر أغسطس تجمعنا  علي الطريق الزراعي  عند اول قريتنا و توكلنا على الله سيراً على الأقدام نحو مطار الطائرة بالقرب من مدخل مدينة بسيون و سط الزراعات ..
 "كان بالتحديد في الأرض الزراعية التي تقع في مواجهة قاعة كليوبترا حاليا بعد سكة النص "
  المسافة تقترب من 5 كليومترات مطلوب منا قطعها سيرا على الأقدام، لكن شغفنا بالطائرة كان أقوى من أي تعب ، و حلمنا برؤية الطيار ينسينا لهيب الشمس الحارقة

المهم بعد وقت لا نعرف  تحديده علي الطريق وصلنا للمطار و اقتربنا منه

كان المطار عبارة عن مهبط ترابي  معد جيدا في مساحة من الارض الزراعية بما يسمح للطيارة بالهبوط و الإقلاع بسلاسة  و إلي جواره شوية حاجات للدعم اللوجيستي زي خزانات للمياه و براميل المبيدات و براميل وقود للطائرة، بالإضافة لشوية ناس تقوم على تقديم الدعم اللوجيستي للطائرة

مع وصولنا كانت الطائرة  انتهت من شحن خزانات المبيدات و الوقود و كل شىء جاهز للإقلاع، و مع اقترابنا اكثر أخذت الطائرة في التحرك رويدا رويدا ثم زادت فجأة من سرعتها لتثير  خلفها عاصفة من التراب و الهواء الساخن الذي أطاح بنا بعيدا

شعرنا بخيبة أمل أننا لم نلحق الفيلم من أوله و لم نري الطيار الخارق

قال كبيرنا الذى لا أتذكره، كما لا أتذكر أى من رفاق الرحلة ،لما لا ننتظر حتي تذهب الطائرة فتفرغ حمولتها و تعود؟؟
استحسنا الفكرة و قررنا البقاء حتى تعود الطائرة
مضى وقت و نحن نلعب تحت الشمس و نروح و نجىء حتى سمعنا دوي الطائرة من بعيد فأخذنا وضع الاستعداد و الأعناق تشرئب بتركيز شديد حتى لا تفوتنا شاردة أو واردة

اقتربت الطائرة اكثر فأكثر و بدأت في الهبوط و بدأ حجمها الطبيعي يظهر أكثر فأكثر و هي تلمس الأرض و تجري نحونا قبل أن تتوقف تماما و تهدأ محركاتها

و فجأة نزل الطيار الأسطوري لنكتشف أنه رجلا عاديا مثل بقية خلق الله و كانت صدمة كبيرة عصفت بخيالاتنا 
كيف يقود الطيارة شخص بحجم رجل عادي ، و يرتدي ملابس مثل ملابس المشرف الزراعي 
لابد ان هذا الرجل الذي يهبط امامنا هو المساعد يعمل اليوم بديلا للطيار الأصلي الذي لم يأتي من طنطا
قبل أن نفيق من الصدمة كانت الطائرة قد انتهت من إعادة ملىء الخزانات و طارت لكي تُكمل مهمتها في رش حقول القطن
و كان علينا أن نستعد لرحلة العودة سيرا على أقدامنا الصغيرة المنهكة لنصل قبيل المغرب بعد أن أمضينا ساعات من التعب و الجوع و العطش و الإنهاك

لكنها كانت رحلة حفرت نفسها في عقولنا الصغيرة و تركت أثارا في نفوسنا و خلقت مساحات من التفكير داخل عقولنا و مهدت لنا الطريق نحو المستقبل