أتى على الهنود الحمر مُحْتَل واحد فقط فأباد خضراءهم ولم يبق منهم أثراً, أما مصر فلقد احتلها أكثر من أربعين غاز ومُحْتَل, والعجيب أن مصر بقيت وزال أعداؤها من خريطة العالم تماماً كالهكسوس والتتار والمغول.
والسر في بقاء أم الدنيا إلى يومنا هذا وإلى نهاية الدنيا, يرجع إلى أربعة عوامل رئيسية:
الأول: حب الوطن, والذي تجذر في نفوس المصريين حتى صار مثلا مصرياً: (الأرض عِرض), حتى جاءت الجماعات المتطرفة تستهين بالوطن وتصفه بحفنة من تراب عفن, ولقد كان الحيوان والطير والحشرات بفطرتها خير لأوطانهم من هؤلاء المجانين, فهذه نملة قد سجل القرآن ذكرها وهي تحرس وطنها, وتحمي حدودها وتقول: {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[النمل: 18].
الثاني: الوحدة والاجتماع والذي فرضه على المصريين طبيعة نهر النيل والذي يحتاج إلى تكاتف وتعاون؛ للإفادة من خيراته في الزراعة والفلاحة والصيد, ولتفادي خطر الفيضانات ببناء السدود والقناطر, وهذا بخلاف البيئة الصحراوية الجافة التي يقل فيها الطعام والشراب, ويكثر فيها النهب والنزاعات والحروب.
وبعد أحداث 25 يناير والفوضى العابرة التي عمت البلاد استطاع المصريون أن يتحدوا ويجتمعوا ويسترجعوا الأمن بعد 14 يوم, في حين الثورة الفرنسية لم تستطع أن توحد الشعب الفرنسي إلا بعد 14 سنة من الفوضى .
ولقد انتصرنا في حرب 6 أكتوبر بسلاح من مخلفات الحرب العالمية الثانية بسبب الوحدة والاجتماع فالمصريون كلهم بقادتهم وجيشهم وشرطتهم ورجالهم ونسائهم وأطفالهم وأزهرهم وكنيستهم كانوا جميعاً على قلب رجل واحد وعلى هدف واحد وهو طرد العدو المحتل من أرض سيناء فتحقق النصر بهذه الوحدة.
الثالث: الأخلاق, وصدق القائل:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
اليوم في (2024م) مصر بها أكثر من عشرة ملايين لاجئ, في الحين أن بعض الدول تمنع اللاجئين من مجرد العبور على أراضيها, ولقد استوعبت مصر هذه الأعداد بلا مخيمات لا بالمال وإنما بأخلاق المصريين وشهامتهم والتي ورثوها عن أجدادهم, حتى أن أول متن أخلاقي في التاريخ كان محفوراً على الجداريات المصرية القديمة, وهو (قوانين ماعت الأخلاقية), ومحفوراً في أذهان الأطفال, والتي منها: أنا لم ارتكب خطيئة, أنا لم أكذب, أنا لم أسرق الطعام, ولا أرض أحد, أنا لم أتنصت, أنا لم أقتل رجالا أو نساء, أنا لم أتدخل فيما لا يعنيني, أنا لم ألوث الماء..., هذه الأخلاق التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم لإحيائها وتتميمها وتجديدها, وقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
وهذا شاب مغربي أراد أن يختبر أخلاق المصريين فنزل بكاميرته الخفية للناس في الشارع يدعي على عشرة منهم أنه قد ضاعت حقيبته وجواز سفره, فأحدهم يعرض عليه المال, وآخر المبيت, وثالث الطعام والشراب والملبس, ورابع المساعدة, وهكذا ظهرت فيهم جميعاً الأخلاق والشهامة المصرية الأصيلة.
أما الدول التي لا تعرف أخلاق الحرب ولا أخلاق السِّلم فقد كتبت على نفسها الفناء والزوال, مهما كانت قوتها فالعاقبة ليست للأقوى وإنما العاقبة للأخلاق والتقوى, {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }[الأعراف: 128].
الرابع: التاريخ...