في ديسمبر من كل عام تهل علينا ذكرى عزيزة على قلوبنا وهي ذكرى اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة واليوم المصري للأشخاص ذوي الإعاقة
وأصبحت الاحتفالات بهذه الأيام تتم على هيئة أشبه ما تكون باحتفالات الموالد، مجموعة من الأفاقين يتحدثون عن قضية مقتولة، ويدور أصحاب القضية (الأشخاص المعاقين) في دوائر مفرغة كتلك التي يدور فيها الموالدية، ويتم التعتيم عن قضايا ومشكلات المعاقين كالبخور والدخان الذي يتصاعد يوم المولد.
إحتفالات أيام الإعاقة هي إحتفالات تشريفية موسمية مرتبطة بالشهر الكريم شهر ديسمبر، وسرعان ما تعود قضية الإعاقة إلى طي النسيان بعد إنتهاء الشهر الفضيل، على مدار الشهر تسمع خطابات رنانة لمسؤولين، وزراء ومحافظين، وشخصيات عامة يطلقون وعود كاذبة للأشخاص ذوي الإعاقة، وعلى صعيد آخر تجد حفلات الشفقة والإحسان التي يتم فيها دعوة أطفال معاقين للغناء او عمل عروض إستعراضية ويتم فيها الطبطبة على المعاقين، وعلى أحسن تقدير يتم تكريم بعض من النماذج المتميزة منهم.
في الواقع أن مؤسسات كبرى في الدولة نهجت نفس المنهاج واكتفت بتنظيم الإحتفاليات للمعاقين، في حين أنه لا تسمع أنات الأشخاص ذوي الإعاقة ولا يتم تقديم حلول عملية للمشكلات التي يعانون منها، وبالرغم من أن مؤسسة الرئاسة أطلقت عام 2018 عاماً للأشخاص ذوي الإعاقة إلا أن الاهتمام اقتصر على تسمية المعاقين بعام، وصارت الوعود مجرد كلام، حيث أن الدولة لم تقدم سياسات فاعلة لخدمة تلك القضية.
فعلى صعيد الاهتمام الطبي، لم تقدم الدولة تأمين صحي للأشخاص ذوي الإعاقة ولم يتم رفع كفاءة المستشفيات الحكومية لتخدم الأشخاص المعاقين الذين يعانون من إعاقات شديدة، وعلى مستوى التوظيف، لم تقم إلا عدد قليل من الشركات بتطبيق نسبة 5% من المعاقين في موظفيها وظل التمييز ضد الأشخاص المعاقين أمراً سائداً لدى أصحاب الأعمال ومالكي الشركات،
في التعليم، ظهر فشل وزارة التربية والتعليم في تطبيق الدمج بين الطلاب المعاقين وغير المعاقين حيث أصبح الأمر مجرد القيم بوضع طالب معاق وغير معاق في نفس الفصل دون مراعاة الحد الأدنى من الاشتراطات اللازمة لتطبيق الدمج على أسس علمية صحيحة، في المقابل حصلت وزارة التعليم العالي على صدقات من المؤسسات الدولية لتقوم بتأسيس مراكز للأشخاص ذوي الإعاقة في الجامعات المصرية.
في الواقع، لا يوجد في مصر إستراتيجية متكاملة للنهوض بأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة في كافة مجالات الحياه، وربما يرجع ذلك لإصرار الدولة على تقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة والتخصص، فمعظم المؤسسات والمراكز والمكاتب الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة يقوم عليها أشخاص ليسوا معاقين، بل قل لا يفقهون شيئاً عن الإعاقة،
وبالتالي هم يخدمون مناصبهم ولا يسعون لخدمة من بسببهم حصلوا على تلك المناصب، خاصة إذا كان المنصب نائب وزير او مساعد وزير، فكل من وزارة الإتصالات، وزارة التعليم، وزارة التعليم العالي، وزارة الشباب، وزارة القوة العاملة بها مكاتب لرعاية الأشخاص المعاقين وليس يشرف عليها معاقين، هذا بالرغم من وجود أكفاء ومتخصصين من الأشخاص المعاقين الذين لديهم خبرات متميزة في مجالات مختلفة.
وعلى صعيد متصل لم يسهم قانون الأشخاص ذوي الإعاقة الذي تم تمريره في عام 2018 في أن ينصف فئة تعرضت للظلم لفترة طويلة. فقد أصبح القانون مجرد حبر على ورق،
وأصبحت الدولة بإدارتها المختلفة تتفنن في التنصل من القيام بمراعاة حقوق تلك الفئة على الأصعدة المختلفة، حتى أن الحق المميز الذي كفله القانون الأخير في أن يكون للشخص المعاق حق في سيارة معافاة من الجمارك تم سلبه من الدولة نتيجة أن بعض من ضعاف النفوس استغلوا ضيق ذات اليد الذي يعاني منه المعاقين في أن يشتروا جوابات السيارات بدراهم معدودة، بل تعرض البعض لابتزاز مادي ومعنوي، ومن المعروف أن من يستغل تلك الجوابات معظمهم ينتمي لهيئات ذات حظوة في الدولة، وتسترت عليهم أجهزة الشرطة لفترة طويلة،
وكان العقاب هو فرض شروط قاسية على المعاقين الذين يرغبون في إقتناء سيارة معافاة جمركيا، بدلا من أن تضرب الدولة بيد من حديد على المتلاعبين والمستغلين لحاجات تلك الفئة الضعيفة. في الواقع القانون الخاص بالمعاقين ضعيف ولا يجد من يضمن تطبيقه. للأسف أن الجهة المنوطة بالدفاع عن حقوق المعاقين، المركز القومي لشؤون الإعاقة، نشأ مولوداً مشوهاً، منزوع السلطات، بلا صلاحيات،
وردة في جاكتة الدولة، او معلم ومزار سياحي، وعلى مدار السنين تم إختيار أمناء للمجلس مستأنسين موظفين في الدولة يخافون على كراسيهم ولا يخافون في الله لومة لائم، لم نسمع أن المجلس قام بتحرك قوي أو وضع سياسة فاعلة لخدمة المعاقين، ولم نسمع أنه تم لفت نظر وزير او مسؤول او موظف للدولة لشكوى قدمها المجلس.
وبقدر كبير من الصراحة، أقول أن بعض من الأشخاص المعاقين أنفسهم يسيئون إلى قضية الإعاقة، بعضهم يفضلون مصالحهم الشخصية على مصالح أقرانهم من المعاقين، بعضهم يفعلون أفعالاً سيئة تؤدي لترسيخ صورة نمطية سلبية عن فئة المعاقين، بعضهم يسرق ويستجدي الناس باسم قضية المعاقين، والأدهى والأمر أنهم منقسمين على أنفسهم، كل معاق يود أن يكون زعيما، يذهب كل واحد فينشئ جمعية او إتحاد او كيان يدعي أنه أصبح متحدث رسمي باسم معاقي مصر وأنه من يمثل تلك الفئة، ونسو أن الذئب لا يأكل إلا الشاة الشاردة، وأن في الاتحاد قوة.
في الحقيقة، أصبح ذوي الهمم ذوي عمم، بعد أن لبسوا عمائم التزييف والتضليل، وأصبح ذوي الهمم بلا همم، بل أصبحوا ذوي هم وهموم، بأي شيء جئت يا عام، جئت بلا رعاية ولا إهتمام.
إبراهيم عمارة
مدرس الصحافة، كلية الآداب جامعة طنطا