بسم الله،
هناك خطاب ألحظه في الكتب التربوية أو محاضرات بعض الأفاضل الوعظية حول الصلاة كعبادة، أرى فيه إشكالًا بينًا -وعلى إقراري بحسن نية من ينطلقون من هكذا منطلق- وأنهم يسعون لتقريب الناس من هذه العبادة ولكنه خطاب لا يستقيم من أوجه عدة.
ذلك الخطاب النمطي الذي يحث على التعامل مع الصلاة على كونها بضع دقائق وستنقضي (يخي هي شغلة عشر دقايق، عشر دقايق ولا خمس دقايق من يومك للفريضة مضروب في خمسة مش راح تخسر شيء).
هذا النوع من الخطابات يقولب هذه العبادة في قالب الممارسات السريعة، ويفقدها موطنها الذي كفله الله؛ فالله قضى أن تكون الصلاة عماد الدين، وقد كان الرعيل الأول يعلمون موقعها في نفوسهم جيدًا، فهي الصِلة بين العبد وربه، وهي باب القبول، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
وتخيل أن يكون المرء في قربه من خالقه منشغلًا وجِلًا بسرعة الأداء لا بجودته! الفارق بيننا وبين ذلك الجيل المُتفرد، أنهم كانوا يحرصون على تجويد العبادة لله بأحسن ما يكون منطلقين من قوله تعالى:
{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}.
ليبلوكم أيكم أحسن عملًا!
وهنا مضمار المنافسة الحقيقية وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، خلقت لمعالي الأمور ولا يجدر بك كعبد مؤمن أن تبخس الصلاة علوها الذي قضاه الله.
أما ذلك الخطاب فيوقع في النفوس ”كيف أنتهي بسرعة لأرعى حقول دنياي!‟
تأدية واجب لا استشعارًا لتلك اللذة المرجوة، ومع تلك النمطية لن يتحقق الخشوع.
وتأمل حال النبي ﷺ: «كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان ينتظر الصلاة إلى الصلاة، وكان يقول حبيبنا ﷺ: «أرحنا بها يا بلال» «وجعلت قرة عيني في الصلاة».
فأين تلك الخطابات من توجيهاتهم؟
وهذه الصورة النمطية لا تربي العبد على عبادة الصبر؛ ومنها الصبر على مشقة الطاعة على النفس، وأن الجنة محفوفة بالمكاره، لذلك كانت المنزلة على قدر المشقة.
وهنا دعوة للنظر لمركزية هذه العبادة، وكيف أنها مجمع الحاجات، في سجودك تستشعر صلتك بربك الذي في يده تصريف كل شيء، وفي قيامك تدعوه بـ إياك نستعين، فلا يعجزك بأمره شيء من ثقل الدنيا بتلك الاستعانة.
الصلاة هي حبلنا الوثيق بالسماء، وهي وقودنا الذي نتزود به ضد عطب النفوس الذي يصيبنا لوحشة الدنيا، وهي خلوتنا بربنا واجتماعنا به، وهي موطن تفريغ مكنون صدورنا في سكينة، وهي قرة العين المرجوة وطريق النجاة وتحقيق العبودية والاقرار بالضعف والبشرية ووسيلة الطلب ومدعاة الإجابة وليست لحظات نتوق لتنقضي بل لذة نسعى لتحصيلها والمداومة على أدائها.
فانظروا فيها خطى السابقين الأولين، وكيف كانوا يعظمون قدرها ويرقبون وقتها لا انقضاءَها.
وعلى الله قصد السبيل.