بين المودة بالرحمة جعل الله تعالى المرأة سكنا للرجل والرجل سكنا للمرأة وربط بين قلوبهما برباط المودة والرحمة؛ ليتحقق الوفاق الروحاني والتكامل الإنساني، قال تعالى: {وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم: 21]، والمودة: المحبة، والرحمة: الشفقة، وبهما يتعاون الزوجان على أعباء الحياة، وتدوم الأسرة على أقوى أساس وأتم نظام، ويتم السكن والاطمئنان والراحة والهدوء. وجمع القرآن الكريم بين المودة والرحمة في الآية الكريمة؛ لأن العلاقة الزوجية في الفلسفة القرآنية ليست مجرد رغبة جسدية، بل هي علاقة تربطها المودة، وتحوطها الرحمة والشفقة، ويكتنفها الحرص المتبادل بينهما، فهما كالنفس الواحدة وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تألم له سائر أعضاء البدن. فهذه المودة والرحمة الدالة على الخالق المتفضل لمن تأمل وتفكر في أسباب الحياة، وتحقيق النتائج، وبناء الروابط على وفق الحكمة والمصلحة. كما أن المودة والرحمة رزق ونعمة من عند الله بداية، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في قوله عن حبه للسيدة خديجة رضي الله عنها: "إني قد رزقت حبها" فالحب رزق من الله، ولا يقدر على جمع القلوب أحد إلا الله، كما قال الله تعالى عن ألفة الصحابة بعد عداوتهم: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}[الأنفال: 63]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَلِّم الصحابة طلب ألفة القلوب من رب العالمين كما يعلمهم التشهد ويقول: "اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ". ولا يقدر على نزع هذه المودة والرحمة من قلب الزوجين أحد من الخلق لا السحرة ولا الكهنة الذين قال الله تعالى عنهم: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة: 102]. وهو وحده تعالى القادر على خلق المودة والرحمة بين الأعداء، كما قال الله تعالى: {عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ} [الممتحنة: 7]، فالأعداء والكارهون هناك أمل في إصلاحهم وحبهم ونزع الكراهية من قلوبهم، فالمودة آتية ولو كانت العداوة حاضرة، لمن أخذ بأسباب المودة والرحمة بدفع السوء بالإحسان، قال تعالى: {وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ}[فصلت: 34]، وصديق حبيب، لمن يمتلك مهارات التعامل مع خصومه والناس جميعاً. وأخيراً إذا غرس الله تعالى المودة والرحمة بين الأزواج فلماذا امتلأت البيوت بالمشاكل والنفور ونزعت منها الألفة؟ والجواب أن غرس المحبة كغرس الأرض يحتاج للحفظ والسقيا والرعاية بالهدية والرسالة والكلمة الحلوة والفضفضة وكثرة الحديث مع شريك الحياة؛ لتتحقق السعادة بين الأزواج والأحباب؛ ولهذا ألف الإمام أبو حامد الغزالي كتابه (كمياء السعادة)، فالسعادة تفاعل وتودد وبذل وعطاء، فمن أَسعدَ أُسْعِد وارتدت السعادة إلى قلبه، و(اللي يقدم السبت يلاقي الحد)، كما قال تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}[البقرة: 223], ومن يطالع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد التعامل الراقي مع القوارير, والتحبب والتودد وحسن العشرة مع أهل بيته وأزواجه, ومع الناس أجمعين؛ حتى أحبه المؤمنون وغير المؤمنين به صلى الله عليه وسلم.