رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
الأخبار العاجلة :
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

حسام فوزي جبر يكتب .. تأمل في الـ74 والـ20: الرياضة تُبنى على الإنسانية لا التجرد منها

على مدى عقود طويلة ظلت كرة القدم المصرية أكثر من مجرد لعبة هي نبض جماهير بالملايين وتعبير عن هوية وثقافة ومع ذلك وفي زخم المنافسة الحامية بين أكبر أنديتها الأهلي والزمالك تتجلى لحظات إنسانية تُذكر الجميع بما هو أعمق من الفوز والخسارة فعلي الرغم من المواجهات المليئة بالحماس والتحدي في هذا العالم المليء بالصخب والتوتر برزت لحظات إنسانية تؤكد أن هناك ما يتجاوز حدود المنافسة لحظتان تركتا أثرًا عميقًا في الذاكرة الجماعية للشعب المصري أصبحتا رمزًا للإنسانية التي تجمع الجماهير وتذكيرًا بأن الرياضة ليست مجرد لعبة بل وسيلة لتعزيز الروابط الإنسانية تلك اللحظات التي تُحيي فيها الجماهير ذكرى شهداء الملاعب الـ74 من جماهير الأهلي في حادثة بورسعيد والـ20 من جماهير الزمالك في حادثة الدفاع الجوي هذه اللفتات الإنسانية التي تحدث بشكل تلقائي في كل مباراة تحمل رسالة قوية عن قيمة الروح الرياضية ووحدة المشاعر بعيدًا عن أي خلافات أو منافسات كروية.
فعلي الرغم من التنافس المحتدم بين جماهير الأهلي والزمالك، إلا أن ذكرى الشهداء تمثل نقطة التقاء إنسانية لا يُختلف عليها في لفتة فريدة من نوعها، تقوم جماهير الأهلي في الدقيقة 20 من بعض المباريات بإحياء ذكرى شهداء الزمالكربينما ترد جماهير الزمالك التحية بإحياء ذكرى شهداء الأهلي في الدقيقة 74، وهذا التبادل يُظهر أن ما يجمع الجماهير أكبر مما يفرقها وتأكيد على أن الأرواح التي فُقدت تمثل الجميع وأن المآسي لا تعرف ألوان القمصان أو أسماء الأندية.

في الأول من فبراير 2012، وقع حادث مأساوي في استاد بورسعيد بعد مباراة بين النادي الأهلي والمصري، حيث أسفرت أعمال عنف مروعة عن فقدان 74 مشجعًا حياتهم. كانت هذه الكارثة صدمة كبيرة ليس فقط لعشاق الأهلي، بل لكل المصريين الذين رأوا كيف يمكن أن تتحول مدرجات الملاعب من مسرح للاحتفال إلى ساحة للمأساة ومنذ ذلك الحين أصبحت الدقيقة 74 من كل مباراة للأهلي رمزًا لإحياء ذكرى هؤلاء الشهداء تقوم الجماهير بإضاءة كشافات هواتفهم ورفع أصواتهم بالهتافات التي تخلد ذكرى الراحلين هذه اللحظات لا تقتصر فقط على التعبير عن الحزن، بل تُظهر أيضًا الوحدة بين المشجعين في مواجهة الألم.

وبعد ثلاث سنوات فقط من كارثة بورسعيد وتحديدًا في 8 فبراير 2015، وقعت مأساة أخرى أمام استاد الدفاع الجوي بالقاهر ففقد 20 مشجعًا من جماهير الزمالك حياتهم بسبب التدافع أثناء محاولتهم دخول مباراة بين الزمالك وإنبي كانت هذه الحادثة نتيجة أخطاء تنظيمية وأجواء مشحونة مما جعلها واحدة من أكثر اللحظات حزنًا في تاريخ الرياضة المصرية.

وتُحيي جماهير الأهلي والزمالك علي حد السواء  ذكرى هؤلاء الشهداء في الدقيقة 20 من كل مباراة تُضاء الكشافات وتتردد الهتافات التي تعبر عن الامتنان والوفاء لمن فقدوا حياتهم أثناء دعم فريقهم هذه اللفتة البسيطة أصبحت طقسًا مقدسًا يعبر عن تقدير الجماهير للتضحيات التي قُدمت هذا هو الجانب الأكثر إشراقًا في العلاقة بين الجماهير المصرية فجماهير الأهلي تقوم بإحياء ذكرى شهداء الزمالك وجماهير الزمالك، يرد التحية بإضاءة الكشافات والهتاف تكريمًا لشهداء الأهلي وهذا التبادل الإنساني يُظهر أن ما يجمع الجماهير أكبر بكثير مما يفرقها فالأرواح التي فُقدت لا تنتمي لنادٍ واحد بل تمثل خسارة وطنية هذه اللحظات تؤكد أن الرياضة ليست مجالًا للفرقة بل وسيلة لتعزيز الروابط الإنسانية.

رغم هذه المظاهر الإيجابية، شهدت الساحة الرياضية المصرية مشهد مؤسفة في المباراة  الأخيرة التي جمعت الزمالك بالمصري في الاسبوع الماضي عندما ردت مجموعة من جماهير المصري البورسعيدي بهتافات خارجة على إحياء الزمالك لذكرى شهداء الأهلي بطريقة مسيئة ما أثار استياءً واسعًا هذه التصرفاتزالتي تفتقر إلى أدنى مستويات الاحترام والإنسانيةزتعكس الخروج عن الروح الرياضية وتذكرنا بأهمية الحفاظ على قدسية هذه الذكرياو  مثل هذه التصرفات تُعد انتهاكًا للقيم الإنسانية التي تقوم عليها الرياضة ما حدث يُبرز الحاجة إلى تعزيز الوعي بين الجماهير وتأكيد أن المنافسة يجب أن تقف عند حدود الأخلاق وأن الإعتراف بالخطأ والتراجع عنه أمر إنساني حتمي لا يمكن أن يتناسه أحد مهما بلغ.

كارثتا بورسعيد والدفاع الجوي تركتا أثرًا دائمًا على الرياضة المصرية ورغم الألم الذي تسببتا فيه قدمتا دروسًا عميقة عن أهمية وضع الإنسانية فوق كل اعتبار فإحياء ذكرى الشهداء يُعد تذكيرًا بأن كرة القدم ليست أكبر من الحياة وأن الأرواح التي فُقدت يجب أن تكون دافعًا لتحسين الأوضاع وضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي وإحياء ذكرى الشهداء يعكس التزام الجماهير بالقيم الإنسانية فهو ليس مجرد تعبير عن الحزن بل دعوة إلى الوحدة والتضامن الجماهير التي ترفع الكشافات وتردد الهتافات تُظهر أن الرياضة قادرة على تجاوز حدود المنافسة وإظهار أفضل ما فينا ودعم للرسالة التي يجب أن تظل حاضرة في أذهان الجميع هي أن التنافس الرياضي لا ينبغي أن يتجاوز حدود الإنسانية الأرواح التي فُقدت ليست مجالًا للإهانة أو المزايدة على العكس هي تذكير دائم بأهمية احترام الآخر وتقدير الحياة وعدم الإنجراف وراء تعصب أعمي.

يجب أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم الأندية واللاعبون يجب أن يكونوا قدوة في تعزيز الروح الرياضية والإعلام يجب أن يلعب دورًا إيجابيًا في نشر رسائل التوعية وتعزيز القيم الأخلاقية والجماهير يجب أن تدرك أن دعم فريقها لا يعني الإساءة للآخرين.

إن التحدي الأكبر الذي يواجه الرياضة المصرية اليوم هو استعادة الثقة بين الجميع وإحياء ذكرى الشهداء هو خطوة في هذا الاتجاه لكنه يتطلب جهودًا مستمرة من كل الأطراف المعنية الرياضة قادرة على أن تكون قوة إيجابية تجمع الناس، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا التزمنا جميعًا بالقيم التي تجعلنا بشرًا وإحياء ذكرى الشهداء ليس فقط واجبًا أخلاقيًا بل هو تذكير دائم بأن الرياضة قادرة على أن تكون رمزًا للوحدة والسلام لنستمر في تكريم أرواح الـ74 والـ20، ولنجعل من ذكراهم دعوة إلى التضامن والاحترام فالرياضة رغم تنافسها  يجب أن تظل وسيلة لإظهار أجمل ما فينا من الإنسانية والتضامن والقدرة على تجاوز الخلافات لنجعل من هذه القيم الأساس الذي نبني عليه مستقبل الرياضة في مصر ولنتذكر دائمًا أن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا فالسلامة والكرامة الإنسانية تأتي دائمًا في المقام الأول.

الشهداء الـ74 والـ20 ليسوا فقط أرقامًا تُذكر في التواريخ بل هم أسماء محفورة في قلوب كل محبي الرياضة تكريمهم يعكس الاعتراف الجماعي بأخطائنا ورغبتنا في عدم تكرار المآسي وإحياء ذكرى الشهداء في توقيتات محددة من المباريات يُعد رسالة واضحة بأن المنافسة تنتهي عند حدود الإنسانية وأن الأرواح التي فُقدت ليست مجالًا للمزايدة أو الإهانة والحفاظ على هذه الروح واحترام ذكرى الشهداء يُعدان مسؤولية جماعية لـ الجماهير واللاعبين والمسؤولين وكل من هو له علاقة بالرياضة بل وكل من له علاقة بالإنسانية فالجميع مدعوون لتقدير هذه اللحظات واحترام قدسيتها.

رحم الله الـ74 ورحم الله الـ20 ليبقوا دائمًا رمزًا لتضحيات لا تُنسى وعبرة لنا جميعًا بأن الإنسانية هي القيمة الأسمى التي يجب أن تسود داخل الملاعب وخارجها.