اليوم الجمعة وفيه أجتهد فى الإبتعاد عن كل الحياة بعد أن باتت موحشة بفعل البشر ، أخاطب الوجدان ، وأقف أمام النفس للمراجعة ، لعل ذلك يجعلنى أنتبه مما أنا فيه من غفله فى تلك الحياة ، بالمجمل أفتقد فيه الإدراك بمن حولى تأثرا بالإنتباه لحقيقة الموت ، عظم ذلك أننى قبل أيام إنتابتنى حالة من فقدان الإدراك بمن حولى فى جنازة أحد الأحباب ، متعجبا من أحوال البشر ، وماهم فيه من تردى ، وعدم إدراك حقيقة الموت ، فتعاظم لديهم الجبروت ، وقهر النفس ، والتجاوز فى حق الخلق ، ونسيان أن للكون رب ، وأدركت يقينا مايدركه من هم فى خريف العمر مثلى ، خاصة من تعايشوا مثلى مع أنماط مختلفه من البشر ، وإقتربوا من وهج السلطه ، وبريق المناصب ، والزهو الذى ينتاب الجالسين على الكراسى ، وعايشوا مثلى أيضا تبدل أحوال كثر منهم بعد أن تجردوا من السلطه ولم يبقى لهم إلا صنيع أعمالهم ، وماقدموه من خير ، وكيف أن من تجبروا باتوا أسرى منازلهم التى تحولت طواعية لزنازين ، لأنهم ليس لهم رصيد عند أحد حتى من صنعوهم تنصلوا منهم لأنهم رسخوا لديهم تأثرا بعشق الذات وعبادة الأنا أن طريقا واحدا يجعل لهم مكانه هو طريق الجبروت .
تكرر هذا الشعور الوجدانى تأثرا بأنين الوجع الذى إنتاب أحد اسيادى المرضى الذى كنت برفقته بالمستشفى الذى زلزل صوته الأعماق وكل الوجدان تأثرا بحاله ، وكلماته التى تحمل رثاءا لنفسه ، وحال أولاده ، وهو كلام إهتز له الكيان وحرك الفؤاد ، حتى أننى تعجبت من أمر كل البشر بما فيهم أنا كيف لاندرك اننا سنكون ذكرى ، وكيف لاننتبه أن صفحاتنا جميعا ستطوى إلى الأبد ، نودع فيها كل البشر ، وحتى الأحباب من الناس ، وكيف سنفارق الأحباب الذين يمثلون لدينا كل الحياه ، ونبع الحنان ، ومنطلق السكينه والراحه ، وكيف أننا يتعين علينا أن نترك ذكرى طيبه تكون سببا لدعوات الطيبين ورحماتهم بحقنا ، وكيف أنهم سيخاطبوننا من طرف واحد حيث نكون بقبورنا فى حاجه لدعواتهم والأنس بهم .
بمقابر بلدتى بسيون ألملم شتات النفس ، وأتعايش مع الصدق ، وأتذكر الصدق حيث الأحباب من البشر ، كثيرا تنساب الدموع كلما وقفت أمام قبر أمى ، وأبى ، وأجدادى ، وأعمامى ، وخالى رحمهم الله تعالى وكل الأحباب ، وكذلك حيث أزور قبر أستاذى الجليل جمال بدوى ، وكل صديق لى معه ذكريات ، أتذكر هؤلاء الكرام الذين كانوا يشاركوننى الضجيج وقت الإنتخابات ، ومن كنا فى الفصل الدراسى يشدوا من أذرى حتى لاأضعف وأتخلى عن نجدة زميل كرئيسا لإتحاد الطلاب ، هؤلاء جميعا باتوا جسدا تحركه الأيدى برفق حتى واروه التراب ، وتلاحقهم الدعوات الطيبات ، وكانت كلمات أمى رحمها الله تعالى نبع الحنان وكل المحبه ، وأبى رحمه الله الذى كان يحفزنى لفعل الخير ، والتعايش مع هموم الناس ، نبراسا لى فى الحياه ، رأيت المحبه الصادقه فى أعين الخلق ، حكايات وروايات عن كريم صنائع ونبل خلق وطيب طبائع من رحلوا ، وغيرهم يذكرهم الناس وهم ممتعضين .
خلاصة القول .. يتعين على كل منا أن ننتبه ، ونكون رجالا بحق أصحاب مواقف تسجل فى صفحات التاريخ ، ويذكرها أولادنا وأحفادنا بكل خير ، وينتقل منها الباحثين عن الحق إلى أفاق الإحترام ، يجب أن نكون محبين للأهل والأصدقاء ، وتكون عشرتنا طيبه ، ومواقفنا مشرفه ، ونترك ذكريات يتوقف أمامها الكرام بكل فخر ، يبقى أسئله عده باتت تراودنى فى هذا اليوم الطيب من أيام الله تعالى ، مؤداها .. لماذا بعد رحيل الكرام من البشر ينحدر الناس وتتنامى الجهاله ؟ ، هل عقمت الأرحام أن تلد مثلهم ؟ ، لماذا يتعاظم الهزل ويتنامى وينحصر الإحترام ويتقزم الناس بعد فقدانهم ؟ ، هل إقتربت الساعه وتلك علاماتها .