رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

اللواء أحمد عبد البر يكتب: تحليل إستراتيجى لقضية قافلة الصمود المزعومة

تُجسد القضية المثارة حول قافلة الصمود التونسية المزعومة نموذج للصراع المعقد بين الأمن القومى المصرى والتهديدات الجيوسياسية في محيطها الإقليمي، حيث تتشابك العوامل الأمنية مع السياسية والإقتصادية والإعلاميه فى تشكيل رؤية إستراتيجية متكاملة الأبعاد. 

 

فى هذا السياق ينظر إلى هذه القضية ليس كحدث منعزل، بل كحلقة ضمن سلسلة من التحركات التى تهدف إلى إختراق العمق الإستراتيجي المصرى عبر بوابة ليبيا المضطربة، مع إستغلال الوضع الهش فى تونس كمنصة لوجستية محتملة.  

 

التحليل الإستراتيجى لهذه القضيه يبدأ بتفكيك المسار المزعوم للقافلة، بدءاً من محافظات سوسة وصفاقس التونسية، مروراً بمناطق جنوب شرق تونس، وصولاً إلى المعابر الليبية، حيث تُعتبر مناطق مثل طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازى نقاط حرجة في شبكة التحركات غير التقليدية، تحوى أعضاء تنظيم داعش وميليشيا الوفاء الموالية للقاعدة، ‏مع المرحلين شديدي الخطورة من أمريكا والمرحلين من السجون في قضايا ارهاب وعنف علي متن 13 رحلة جوية إلي ليبيا، هذه المسارات ليست إفتراضية بحتة، بل تستند إلى أنماط سابقة لتحركات العناصر المسلحة، خاصة تلك المرتبطة بتنظيمات متطرفة أو جماعات تعمل خارج إطار الدولة. 

التاريخ العملياتى لهذه التنظيمات، خاصة في الفترة التالية لثورات الربيع العربى، يظهر قدرتها على إستغلال الفجوات الأمنية بين الدول، مما يعطى مصداقية للسيناريوهات المحتملة، وإن كانت تحتاج إلى إثباتات ميدانية أكثر وضوحاً.

  

الخطر الأكبر لا يكمن فقط في إحتمالية تسلل عناصر مسلحة عبر الحدود، بل فى تداعيتها الإستراتيجية الأكبر، خاصة إذا إرتبطت هذه التحركات بمحاولة إستهداف نقاط حيوية فى الداخل المصرى مثل المناطق العسكريه الإستراتيجيه فى هضبه السلوم وسيدى برانى،  أو منطقة الضبعة النووية، أو مشروعات التنمية فى الصحراء الغربية. 

مثل هذه السيناريوهات وإن بدت نظرية، إلا أنها تتوافق مع خطاب بعض الجماعات المعارضة المسلحة التى سبقت وهددت بضرب البنية التحتية الإستراتيجية المصريه، بل إن تصريحات صادرة من بعض الشخصيات الإعلاميه المعروفة بتبنيها خطاب متطرف ضد مصر، مثل الدعوة إلى تدمير حلم الزراعة فى الصحراء الغربيه، تعكس نوايا واضحة لإستهداف مقومات التنميه المصرية، مما يعطي أبعاد أكثر واقعيه للتهديد، ولو على المستوى الخطابى.  

كما أن قضية اللاجئين السوريين والسودانيين في مصر  يعتبر عامل مضاعف للخطر، ليس بسبب هويتهم الجنسية في حد ذاتها، بل بسبب إحتمال إختراق بعض العناصر المتطرفة لصفوفهم، مستغلة شبكات الهجرة غير النظامية.

 

التجارب الدولية خاصة في أوروبا، تُظهر كيف يمكن لتدفقات اللاجئين أن تحمل بين طياتها تهديدات أمنية معقده إذا لم تدار بآليات رقابية دقيقة. 

وما يزيد الأمر تعقيداً في الحالة المصرية هو وجود شواهد على توظيف بعض الجماعات السياسية للاجئين كورقة ضغط، سواءً عبر غسيل الأموال أو خلق بؤر توتر إجتماعي، مما يستلزم تعامل إستباقى دون الإنزلاق إلى خطاب عنصرى عام.  

 

السيناريو الأكثر إثارة للقلق هو محاولة إعادة إنتاج نموذج "لوس أنجلوس" فى القاهرة، حيث تتحول الإحتجاجات الإجتماعية إلى أعمال عنف منظمة، هذا السيناريو وإن كان يبدو متطرف قليلاً، إلا أنه يعكس مخاوف حقيقية في ظل وجود جماعة الأخوان المحظورة التى لديها القدرة على تأجيج الشارع المصرى عبر خطاب تحريضى، خاصة إذا تم دمجها مع عناصر مسلحة قادمة من الخارج. 

 

التجارب التاريخية لمصر مع أحداث مثل يناير 1977 أو أحداث 2011-2013 تُظهر كيف يمكن للإحتجاجات أن تتحول إلى فوضى عارمة إذا توفرت بيئة حاضنة سواءً عبر إختراقات أمنية أو إستغلال الأزمات الإقتصادية والإجتماعية.  

 

وعلى صعيد المسرح السيناوى، فإن فكرة التحرك البطيء للقافلة المزعومة بين العريش ورفح لمدة ثلاثة أيام، (رغم قصر المسافة الجغرافية 55 كيلو تقريبا بسرعة 60 كم/ س يكون زمن الوصول أقل من ساعة)، حيث يشير تخطيط التخييم والسفاري لمدة 3 أيام فى هذة المنطقة المشتعله إلى نية التنسيق مع عناصر محلية خاصة في المناطق الساخنة مثل بئر العبد والشيخ زويد التي كانت سابقاً نقاط تجمع للتنظيمات المسلحة فى ظل الارتباطات القبلية لبعض هذه العناصر، مثل عوائل أبو شتية مع شبكات جهادية مواليه لهم مثل تنظيم ولاية سينا وقيادات حماس أمثال محمد عصوم ومحمد الجعفري، تعطي مصداقية لفرضية واحتماليه التنسيق بين عناصر خارجية وداخلية مما يلزم يقظة أمنية غير تقليدية.  

 

وختاماً.. فإننا أمام القضية ذات أبعاد سيسيوثقافيه تتطلب تعامل إستراتيجى متعدد المحاور على النحو الآتى:  

- المحور الأمنى: تعزيز آليات المراقبة الحدودية خاصة فى الإتجاه الإستراتيجى الغربى المتوتر مع تطوير أنظمة إنذار مبكر ضد التسلل.  

- على المحور السياسى: إدارة الملف عبر قنوات دبلوماسية مع تونس وليبيا، لتجنب تحولها إلى أزمة ثقة إقليمية.  

- على المحور الإقتصادى: معالجة الثغرات في الإقتصاد غير الرسمى الذي قد يستغل لتمويل أنشطة داخليه غير مشروعة.  

- على المحور الإعلامى: مواجهة الخطاب التحريضى بخطاب عقلانى يعتمد على الحقائق وبعيداً عن المبالغات.  

الخطر الحقيقي لا يكمن في القافلة بحد ذاتها، بل في قدرة الخصوم الإستراتيجيين لمصر على توظيف أى ثغرة لزعزعة الإستقرار. لذلك فإن المواجهة الفعالة تتطلب رؤية شاملة تدمج بين الحسم الأمنى والحنكة السياسية، لأن الأمن القومي المصري ليس مجرد حدود جغرافية فحسب بل هو شبكة معقدة من المصالح والتهديدات التي يجب إدارتها بمنطق إستراتيجي عميق.

 

 لواء دكتور أحمد عبد البر المحاضر بالأكاديميه العسكريه للدراسات العليا والإستراتيجية