رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: هل حضارة مصر وثنية؟(3)

هدمت جماعات متطرفة كثيراً من التماثيل والآثار في سوريا والعراق بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم هدم الأصنام التي كانت حول الكعبة في فتح مكة، ولم يفرق هؤلاء بين التماثيل والأصنام، فالصنم تمثال مجسم لا حياة فيه يصنع من أي مادة ليعبد من دون الله، فإن لم يكن للعبادة فهو مجرد تمثال لم تتوفر فيه علة المنكر وهي العبادة، والدليل على ذلك قوله تعالى عن تسخيير الجن لسليمان عليه السلام: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: 13]، ولو كانت التماثيل كالأصنام محرمة على الإطلاق لما منّ عليه بها، وما طالبه بالشكر عليها، ولا يقال أن تماثيل سليمان منسوخة، وأنها شرع مَن كان قبلنا؛ لأنه لم يوجد أي شرع سماوي أباح عبادة الأصنام أو الشرك بالله قط، وكل الشرائع دعت للتوحيد ونبذ الشرك، وأكثر هذه التماثيل نُحتت على جسم إنسان ورأس طير أو حيوان ليدل على معنى علمي أو حضاري أو سياسي وليس لعبادتها، ويمكن الرد على هؤلاء بما يلي:
ـ أن آثار فرعون صاحب موسى لم يبق منها شئ بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[الأعراف: 137]، فعُلم من هذه الآية أن الحضارة المصرية لا تمت إلى فرعون بصلة.
ـ أن الصحابة قد دخلوا مصر وشاهدو بعض هذه التماثيل ولم يتعرضوا لها، ونفس الشيء عندما دخلوا أفغانستان في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، تركوا التماثيل البوذية التي كانت موجودة هناك، وبقيت حتى يومنا هذا، وكذلك الحال في الهند، وحينما دخلوا جزيرة صقلية تركوا الآثار الرومانية، وبقيت حتى عصرنا الراهن.
ـ إذا كانت الحضارة المصرية القديمة وثنية يجب كسرها وتحطيمها كما يزعم البعض، فلماذا بقيت إلى اليوم، في الحين أن القرآن الكريم يحكي لنا عن إبادة الأمم الوثنية وأهلها حقاً كقوم نوح عاد وثمود وفرعون وقوم لوط، وأكثر من ذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالقبط وأهل مصر خيراً، فكيف تليق هذه الوصية النبوية للمصريين وهم أشرار وثنيون كما يدعي البعض. 
ـ أن إطلاق لفظ آلهة والإله على بعض التماثيل لا يدل على العبادة، فليس الإله عندهم بمعنى المعبود وإنما معناه المعظم، وإلا فالمصري الذي صور كل تفاصيل الحياة بدقة تدهش العقول لم يصور سجود لصنم أو وثن، بل صور صورة سجلها القرآن الكريم ومدحهم بها وهي السجود على الأذقان لله رب العالمين، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}[الإسراء: 107]. 
ـ أن التوحيد في مصر موجود منذ الأسرة الأولى، كما قال د/ وسيم رشيدي، عالم المصريات، الذي قال إن الأهرامات مكتوب على بعض أحجارها من الداخل بالهيروغليفية: "واحد أحد ليس له ثانٍ، موجود نفسي بنفسي، ليس مثلي أحد"، مما يدل على توحيدهم الخالص لله رب العالمين، وبحسب كتاب "قدماء المصريين أول المُوَحِّدين" عن العالم الفرنسي دي روجيه، في كتابه عن مصر: "لقد كان التوحيد بكائن سامٍ وُجِد من تلقاء نفسه، أزلي، أبدي، قادر على كل شيء، وخلق العالم كل الكائنات الحية يُعزى ويُنسب إليه، مثل هذه القاعدة السامية الراسخة، يجب أن تضع عقائد المصريين القدماء في أشرف وأكرم مكان بين عقائد العالم القديم".