رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: "حشر المناخير" والتدخل فيما لا يعني

جعل الله تعالى للإنسان حرماً آمناً، ومنحه خصوصياتٍ لا يحب أن يطلع أحد عليها، ويكره أن يقتحم أحد حرمه، فمن أسباب قلق القلب وانزعاجه التطفل والفضولية، وطرح أسئلة مستفزة لا شأن للسائل بها، ولا يضره جهلها، فعندما تُسْأل عن: أحوالك المادية وراتبك ورصيدك وممتلكاتك ومَأْكلك ومشربك وتصرفاتك، تشعر بضيق وضجر، من هذه الأسئلة المزعجة والامتحانات المُحْرجة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه السلوكيات وقال: "مِن حُسْن إسلام المرأ تركه ما لا يعنيه"، أي ما لا يهمه ولا يليق به قولا وفعلا ونظرا وفكراً.
وهذا الحديث العظيم من جوامع الكَلِم النبوي، وأمارة من أمارات حسن الإسلام، ليَزِن العبد بها نفسه، ويعرف مدى قربه أو بعده عن الطريق المستقيم.
ومن الأمثلة الرائعة في هذا الأدب الرفيع الصحابي الجليل أبو دجانة الذي دخل عليه بعضُ أصحابه وهو مريض مرض الموت، ووجهه يتهلل فقيل له ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل أوثق عندي من خصلتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني وكان قلبي سليما للناس.
 وفي مضاعفة حسنات مَن عرف حده فوقف عنده يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله"، فمن ترك ما لا يعنيه حَسُنَ إسلامه، ومن حَسُنَ إسلامه تُضاعف حسناته وتُكفر سيئاته، مع راحة نفسية وحالة إيمانية يجدها من انشغل بنفسه وبَكَى على خطيئته، فيصلي بخشوع، ويصغي للقرآن بروحه، مع شعور بالرضا عن نفسه، وأنه يستحق وصف إنسان.
وعلى العكس تماماً يظهر ضعف الإيمان لمن انشغل بغيره ونسي نفسه، فيرى القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عين نفسه، في الحين أن سؤال المرء عن نفسه هو لا عن غيره؛ ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة: 101]، وتضركم، ومن ذلك: دخل رجل على عبد الله بن عمر وهو يخصف نعليه فقال: يا أبا عبد الرحمن لو أَلْقَيْت هذا النعل واشتريت نعلاً جديداً! فقال له هل نعلي جاءت بك هاهنا؟ أقبل على حاجتك، فسؤال مزعج وجواب محرج، فَمَن تدخَّل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه؛ ولهذا كان من الدعاء النبوي: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع؛ ومن قلب لا يخشع"، وفي علاقة القلب بالعلم يقول مالك بن دينار: إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا في بدنك وحرمانا في رزقك فاعلم بأنك تكلمت بما لا يعنيك.
ويؤكد هذا لما قُتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم شهيدا، فبكت عليه امرأة، فقالت: واشهيداه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما يدريكِ أنه شهيد؟ لعله تكلم فيما لا يَعنيه، أو بخل بما لا يَنقصه"، فهذه الأخلاق السيئة من خطورتها أنها تَحْرِم الإنسان نيل مرتبة الشهادة.
وأخيراً وفي زمن تزاحمت فيه الواجبات، واختلطت فيه الأولويات، فكان التركيز والاهتمام فيما ينفع، وترك كل ما لا يعني خطوة تربوية مهمة في تربية النفسه وانتشالها مما لا يليق بها ولا ينبغي.