النفس بطبيعتها تمل من التكرار وتكره الروتين، هو هو نفس العمل واجب كل يوم ولا يصح تركه، وهو هو شغل البيت المتكرر واجب كل يوم ولا يصح تركه، وهو هو نفس العلاج كل يوم ولا يصح تركه، وهي هي نفس الصلاة واجبة كل يوم ولا يصح تركها، فكيف نؤدي هذه الوجبات اليومية دون شعور بالملل أو الفتور؟ ويمكن ذلك من خلال النقاط الآتية:
ـ أن تعلم أن أكثر الناس مللاً هو من يؤدي عمله بلا هدف ولا روح، حتى ولو كان العمل سهلا ويسيرا، فهو مجرد موظف لا يشعر بقيمة عمله ولا يشعر العمل بقيمته، أما من أحب عمله وأخلص فيه وشعر بتحمل المسؤولية، ويعمل على تطوير نفسه وتطوير بيته أو مؤسسته التي ينتمي إليها، فأَنَّى له الملل والفتور؟ وهو يشعر بفرح وسعادة في عمله، حتى وإن كان عمله صعباً وشاقاً، فقد يتعب جسمه لكن لا يتعب قلبه، حتى يقول بعض الناس من كثرة التفكير في عمله ومهنته: قد تمر على جسدي الحُمى ولا أشعر بها على الإطلاق ولا أحس بها بعد مرورها، وقد تركت آثارها من البثورعلى شفتيه.
ـ العمل على أداء هذه الوجبات الروتينية بروح التنافس مع الزملاء في العمل، أو الأهل في البيت، أو الأصحاب في المذاكرة مع إعطاء بعض المحفزات للأوائل والمتقدمين؛ فإن روح المنافسة تزيل الملل وتذهب الفتور.
ـ تحديد العمل وكميته المطلوبة ووقته، وتشغيل ساعة الحكم؛ لتحفيز النفس على الانتهاء منه في أقل وقت ممكن بلا ملل أو ضجر.
ـ أن مجرد الشعور بالملل والفتور والزهق فيه مغفرة للذنوب، كما في الحديث: "ما يصيب المسلم من: نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عن تكرار كلمات الملل: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي"؛ لأن كلمات الزهق والملل لا تجلب إلا الزهق والملل، وحتى لا تنتقل عدوى الملل منه إلى غيره.
ـ أن تعلم أيها الإنسان أن هذه الواجبات الروتينية تؤجر على أدائها وإتقانها، فأكثر هذه الوجبات من الأعمال والوظائف فيها قضاء حوائج الناس أو تعليمهم أو التيسير عليهم، وكلٌ في مكانه على ثغر يؤدي الفرائض الكفائية، وكلنا نكمل بعضنا، وسخر الله تعالى أعمالنا لخدمة بعض، كما قال الله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف: 32]، كما أن في ترك هذه الواجبان إثم وذنب، وكفي بالمرأ إثماً أن يضيع عمله ووظيفته وراتبه وأولاده ومن يعول، وكفى بالمرأة إثماً أن أن تترك أولادها بلا طعام ولا شراب ولا نظافة ولا اهتمام.
ـ أما بالنسبة للعبادات فالتنوع الشرعي فيها من رحمة الله تعالى، حتى إذا فتر الإنسان من عبادة أقبل على أخرى بجد ونشاط؛ ولهذا تعددت أبواب الجنة بتعدد الطاعات، وحتى لا يمل أهل الجنة في الجنة ففي كل يوم يزداد نعيمهم كماً وكيفا لذة ومتعة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا".