رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
الأخبار العاجلة :
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: نعمة النوم (1)

تكلم كثير من العلماء عن النوم كُلٌ حسب تَخَصُصِه، حتى علماء الاقتصاد تكلموا عن الخسائر الاقتصادية العظيمة التي تسببها قلة النوم، فأمريكا وحدها تخسر في كل عام قرابة ثلاثين مليار دولار بسبب: حوادث السيارات وتَغَيُّب الموظفين عن العمل، وتكلفة علاج القلق والأرق والاضطرابات النفسية، وكل هذه الخسائر أكثرها بسبب قلة النوم؛ ولهذا جعل الشرع الحنيف النوم المعتدل حقاً من حقوق النفس على صاحبها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو الذي كان لا ينام الليل كله، "فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعط كل ذي حق حقه"، وتبرأ صلى الله عليه وسلم ممن يمنع نفسه من هذا الحق، فيقول: "أما أنا فأصُومُ وَأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
وجعل الله تعالى النوم آية من آيات قدرته، فقال تعالي: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[الروم: 23]، حيث جعل الله تعالي النهار للمعاش والسعي والتعب، والليل للنوم والراحة، {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}[النبأ: 9 ]، والسبات القاطع للتعب والمجدد للنشاط، وهذه نعمة عظيمة تستوجب الشكر، قال تعالي: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[القصص: 73].
وإذا كان الخالق تبارك وتعالى {لَا تَأْخُذُهُ ‌سِنَةٌ ‌وَلَا ‌نَوْمٌ}[البقرة: 255]، فإن أكثر المخلوقات تنام لتستريح، حتي اكتشف علماء النبات أن النبات نفسَه ينام، ومن الطير والحيوان مَن ينام واقفاً علي قدم واحدة، ومنهم من ينام مضطجعا أو قاعدا أو ماشيا أو جاريا وهو يسبح في الماء أو الهواء، حتى ظن علماء البحريات أن الدُّلُفِين لا ينام؛ لأنه لا يفتر عن الحركة والطيران لالتقاط الطعام يوما واثنين وثلاثة، ثم فوجئوا أن له دماغان يعمل بأحدهما وينام الآخر فسبحان من قهر جميع خلقه بالموت والنوم.
فنعمة النوم من الله تعالي وحده، فإذا نام الإنسان فإنه يفقد حواسه وشعوره وإدراكه؛ ولهذا يطلب الحماية من الله تعالي، وأن يحفظ نفسه وماله وأهله من كل شر ومن كل سوء؛ فَشُرع لنا قراءة أية الكرسي قبل النوم لتحقيق هذه الحماية الربانية، كما نصح الشيطان نَفْسُه بهذه الآية أبا هريرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ".
فإذا قامت القيامة فلا نوم بعدها، كما قال الله تعالي عن أرض المحشر: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ}[النازعات: 14] فهي أرض السهر التي لا نوم فيها من شدة خوفهم من الأهوال، وسميت القيامة بالقيامة لقيام الناس فيها لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين: 6] فالناس فيها قائمون لا يقعدون ساهرون لا ينامون.
وبعد الحساب ينقسم الناس إلي فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وكلا الفرقين لا ينامون، فلا ينام أهل النار حتي لا ينقطعوا عن عقابها، {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}[فاطر: 36]، ولا ينام أهل الجنة حتي لا ينقطعوا عن نعيمها، كما قال الله تعالي عن عطائه لأهل الجنة: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108].

أبو بكر الجندي