كلما شاهدتُ الفنان محمد صبحي في مسرحية كارمن ، وهو يطيح بملفات العمل الفني الذي يقوم بتجهيزه ، رافضاً الإقتراحات المقدمة مردداً " أنا عندي وجهة نظر تانية خالص" كنت أتذكر وزارة التربية والتعليم ، الآن أجدُها تصلح أيضاً لماسبيرو ، فوزير التربية والتعليم إختزل أزمة التربية والتعليم في الثانوية العامة ، كما إختزل أحمد المسلماني أزمة ماسبيرو في تغيير إسم القنوات أو إعداد برامج جديدة.
يا سادة ، وزارة التربية والتعليم منذ نشأتها الأولى " نظارة المعارف العمومية" ، الى الآن وهي تتخبَّط بين رُؤَى الوزراء ، فكلَّما جاء وزير أطاح بما فعلَه سابِقَه ،
ففي الوقت الذي كان فيه التعليم قوة تحدد موقع الدولة ومدى نفوذها ، وكانت الدول تتميز بأنها تملك العلم وتنتج معرفة أو تتصف بأنها دولة متخلفة تستورد تجارب دول أخرى في التعليم والتدريب ، أصبح الإقتصاد هو القوة الضاربة التي تحدد موقع الدولة وتقدمها، لذا تم ربط العملية التعليمية بمتطلبات سوق العمل ، تلك الجملة تحديداً نَكتبُها ونَسمَعُها منذ بدأتُ العمل الصحفي ، فلا إنصلح حال التعليم ، ولا تم ربطه بمتطلبات سوق العمل ، بل إن حال التعليم في مصر في إنحدار .
تواجه مصر حالياً أزمة تعلُّم ، نعم تمكَّنت البلد من زيادة فرص الحصول على التعليم زيادة كبيرة ، لكن الالتحاق بالمدرسة لا يعني التعلُّم ، ففي جميع أنحاء الريف المصري لا يذهب الأولاد الى المدارس ، بل الإعتماد التام على الدروس الخصوصية في كافة المراحل التعليمية ، وللأسف الغالبية العظمى لم يكتسبوا حتى المهارات الأساسية في القراءة أو الحساب ، بل تحوُلوا إلى مسَجِّل يحفظ ما يسمع ، فتارةً ينقطع إرسالهم وتارةً الشريط يسفّ ، وللأسف بدلاً من ربط التعليم بالتطور التقني والإقتصاد والعلوم الحديثة ، تفتَّق ذهن السيد الوزير عن حذف مواد والعودة الى نظام البكالوريا مشيداً به ، اذا كانت البكالوريا تعد تجربة رائدة الى هذا الحد فلماذا أُلغيت من قبل؟ ، فلن تُحل أزمة التعليم بتغيير الإسم من الثانوية العامة الى البكالوريا ، سيادة الوزير أنت تعبث .
أما في ماسبيرو فالزميل أحمد المسلماني على المستوى العلمي رجل متفوق جداً وأشهد له بذلك ، لكنه على المستوى الإداري فهو رجل غير إداري ، وأود أن أوضح له أن بوليوود أطلقت على مدينة إنتاج سينمائي ، وهناك مايسمى بنادي المليار ، وهم مجموعة من رجال الأعمال يكتتبوا في عمل فني ، قد يصل إنتاجه الى مليار روبية هندي ، ويتم تمويله كمشروع لابد له من الربح ، لذلك فأفلام هندية إستطاعت الحصول على جوائز الأوسكار ، وجوائز عالمية عديدة ، وطبعا هوليوود مدينة إنتاج أيضا بينما السينما المصرية تشهد حرباً بين المنتجين ، كل منهم يحاول هدم الآخر لذلك تراجعت السينما ، أما الدراما فيكفيك تعلَم أن المسلسلات الهندي غَزَت الشاشات العربية وأصبحت تنافس المسلسلات التركي ، وأيضا المسلسلات المصرية خرجت من المنافسة ، فإطلاق إسم موليوود على قانة لن يجعل منها منافساً لبوليوود وهوليوود ، وليس أزمة ماسبيرو في إنتاج برامج أطفال.
لم يدرك المسلماني أن أزمة ماسبيرو هي أزمة إدارية ، تكمن في هذه النسبة من العِمَالة التي تعاني من عدم الحصول على مستحقاتها من علاوات متأخره ، أو الترقيات التي توقفت ، وأن نسبة كبيرة منهم يعملوا في قنوات فضائية خاصة أو شركات ، لذلك فجهدهم الأساسي ليس لماسبيرو ، وأي تطوير في ماسبيرو لابد وأن يبدأ من المكاتب وليس من الشاشة ، وكان عليه أن يستعين بخبرات الرواد من ماسبيرو الذين خرجوا معاش وتم التعامل معهم كموظفين الحكومة ، وكما كان من وزير التعليم كان من المسلماني ، سيادة المسلماني أنت تعبث.
يا سادة الأولى والأشرف لأي شخص يُعرض عليه منصب أن يقف مع نفسه أولاً ويتساءل ماذا سيقدم ، و هل لديه رؤية مبنيَّة على دراسة ومنهج وخبرات ، فإذا لم يكن مؤهلاً لهذا العمل فليعتذر ، ويترك المجال لغيره ، فلم يعد لدينا متسع من الوقت فالسيارة ترجع الى الخلف ، بينما قطارات تمر بجانبنا تتسابق نحو الأمام ، كفاكما عبثاً ، ولنترحَّم على أيام الدكتور طارق شوقي الذي تعرَّض لهجوم كبير من أنصار الجهل والتخلُّف ، ونترحَّم أيضا على أيام أسامة الشيخ الذي لم يشهد ماسبيرو نهضة كما شهدها خلال توليه ، وكانت شاشات ماسبيرو تنافس بضراوة شاشات العالم العربي ، وأخيراً شالوا أَلْضُوا وحطُّوا شاهين.